أخشى أن يكرر «فرانسوا هولاند» مغامرة «بوش الابن»، ويحشد الغرب جيوشه كما حدث فى أعقاب 11 سبتمبر، ويعيد مأساة غزو العراق، ويبحث عن «صدام» جديد فى المنطقة يحمله مسؤولية أحداث باريس الدامية، وبدأت كرة النار بالفعل تتجه نحو سوريا وبشار الأسد، واستهلها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، بتصريح غريب يؤكد فيه أن «بشار هو سبب تفجيرات باريس، لأنه فشل فى القضاء على داعش»، تمامًا كما فعل كولن باول، وزير خارجية بوش الابن، عندما زعم أن أجهزة مخابراته، رصدت اجتماعات بين صدام حسين وعناصر من تنظيم القاعدة قبل حادث برجى التجارة، وبعد غزو العراق أصدرت لجنة تابعة للكونجرس تقريرًا تؤكد فيه أن هذه المعلومات كانت كاذبة، ومصدرها أحمد الجبلى، عميل المخابرات الأمريكية، نكاية فى صدام، ورد بوش الابن على التقرير بمنتهى الصلف والغرور، مؤكدا أنه كان سيغزو العراق، حتى لو كانت هذه المعلومات غير صحيحة.
لم يقل بشار أكثر من أن سوريا تعيش منذ خمس سنوات نفس المأساة التى تعيشها فرنسا الآن، فتم تأويل كلامه بأنه فرِح وسعيد ومتآمر، وفشل فى مواجهة داعش، وسبحان الله على قلب الحقائق وتلفيق الاتهامات، وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فلماذا فشلت غارات الحلفاء فى القضاء على داعش، ولماذا يتركون لهم ممرات آمنة، بعيدة عن الغارات للحصول على الأسلحة؟.. وأخشى أن تتصاعد هذه النغمة وتسود سطوة القوة، وتختفى الأصوات العاقلة التى تقول للغرب: «أطفئوا نار الإرهاب قبل أن تحاربوا الدخان»، فلم يتحدث أحد عن القصور الأمنى وعدم وجود كاميرات فى باريس، أو عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المدنيين، واكتسى وجه رئيس الوزراء البريطانى كاميرون بالخزى والمكر والخداع، وعكست تعزية أوباما للشعب الفرنسى الرغبة فى الانتقام، وسادت سياسة الكيل بمكيالين عندما استدعى الرئيس الفرنسى الجيش لمواجهة الموقف، فلم يتباكى أهل الشر على حكم العسكر، ولم تُدِنْ المنظمات الدولية قانون الطوارئ الفرنسى، ولم تخرج المظاهرات ضد نصوصه الشرسة التى تهدر حقوق الإنسان، أما شعوبنا التى تكتوى بالنار فتشعر بالأسى والحزن على ضحايا أبرياء، وتواسى الشعب الفرنسى فى مصابه الأليم.
لم تنجح أجهزة المخابرات الغربية التى ترصد دبة النملة فى توقيف الإرهابيين وهم يتسللون إلى عاصمة النور، ولم تستطع أجهزتهم الرهيبة كشف أسلحتهم، رغم أن إحدى مناطق الحادث كانت مدججة بالشرطة وأجهزة كشف المتفجرات والكلاب البوليسية، لحضور الرئيس الفرنسى مباراة كرة القدم مع ألمانيا، والمأساة المروعة تجعلنى أقول: كان الله فى عون مصر»، التى تقف وحدها فى مواجهة «إرهاب دولى» تحركه تركيا وقطر والتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية وقوى الشر المتربصة، و«إرهاب داخلى» تمارسه جماعة ضالة، وعصابات إجرامية تختبئ كالفئران فى جحور سيناء، مضافًا إليهم «طابور سادس» يحاول إعادة إنتاج أسباب الفوضى.
لا أعتقد أن الغرب سيواجه ذاته بالأسباب الحقيقية التى أدت إلى ليلة باريس الدامية، لن يعترفوا بأنهم من غرسوا بذور الشر فى الشرق الأوسط، فتحولت دوله إلى موائد يلتف حولها اللئام، ولن يتنازلوا عن مخططات الفتن وتفكيك الدول وشقاء الشعوب، ولن يرفعوا أيديهم عن سوريا والعراق وليبيا، ولن يمتنعوا عن تزويد كل الإرهابيين المتحاربين بالسلاح، ولن يتعظوا من درس «بن لادن» الذى تربى فى أحضان المخابرات الأمريكية، ثم انقلب وغرس أنيابه وأظافره وطائراته فى برجى التجارة، ولن يجتمعوا فى بروكسل لإقرار سياسات جديدة، لمساعدة دول وشعوب المنطقة فى حربها ضد الإرهاب.. والخوف كل الخوف أن يركبهم جنون العظمة ويحشدوا جيوشهم ويشعلوا مزيدًا من الحروب فى المنطقة، إذا حدث ذلك فلن تكون ليلة باريس الدامية هى الأخيرة.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الدميري
دائما ما اتحدث مع نفسي عن التوازن .... واقصد.....