سعيد زكى

أيام سعيد الشحات

الأحد، 04 يناير 2015 09:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أتحدث هنا عن أيام لراحل، أو عن أيام كأيام طه حسين، أو يوميات نائب فى الأرياف، بل أتحدث عن يوميات الكاتب الصحفى المتميز -متعه الله بموفور الصحة والعافية- سعيد الشحات، وأعنى بها ما حرص الكاتب على أن يتحفنا به منذ عام تقريبًا بشكل يومى تحت عنوان «ذات يوم» أسفل يسار الصفحة الثانية من جريدة «اليوم السابع» يتناول فيه حدثًا وقع فى نفس اليوم من سنوات سابقة، بخلاف مقاله اليومى بصفحة الرأى.

«ذات يوم» التى يكتبها الشحات بشكل يومى لا تتوقف عند تناول الحدث، وإلا كان مجرد ناقل استهلاكى لما سطره المؤرخون، مثلما اعتدنا عليه من قبيل «حدث فى مثل هذا اليوم»، بل تميز الشحات فى آلية تناوله للحدث، فالكاتب يوظف ملكاته الأدبية فى تناول أحداثه، فيعمد فى تناوله الحدث إلى لغة سردية حكائية شفيفة أقرب إلى الأسلوب الروائى، فكثيرًا ما يستغرق فى السرد ثم يعود بك عن طريق أحد التكنيكات السردية «الفلاش باك» إلى خلفية تاريخية أخرى للحدث فى لغة سردية، ثم يقفز بك للحدث الأصلى مرة أخرى، كل ذلك بأسلوب مكثّف أقرب إلى القصة القصيرة، فيما يشبه تداخل الأجناس الأدبية، تقرأها وتتفاعل معها كأنك جزء منها وتعيش أحداثها، ومع دقة الوصف يجعلك وكأنك تشاهد الحدث فى عرض مسرحى أو مقطع سينمائى من فيلم تسجيلى.
كما يتكئ صاحب «حكايات من دفتر الحب» أيضًا التى أمتعنا بها رمضان الماضى فى نفس الجريدة كثيرا على ذائقته النقدية للحدث وقراءته النافذة المتعمقة، فنراه كثيرا يفند الحدث كناقد وممحص وينحاز لرأى على حساب الآخر، إن كان هناك تعدد فى الروايات أو شبهات حول الواقعة التى يتناولها، ويسوق مبررات انحيازه، متكئا على ثقافته العريضة ومستشهدا بما ورد فى كتب تعرضت لها كنوع من إحالتك إليها إذا أردت الاستفاضة، وكذلك مستثمرا لأرشيفه الصحفى العريض، وقد يوثق لرأيه بحوار له مع بطل الحدث نفسه «فنجده أحيانا يذكر أن مبررات انحيازه نتيجة مقابلة مع الشخصية التى يتحدث عنها وذكرت ما يميل إليه الشحات».

كما أن الكاتب لا يتعرض لنوع واحد من الأحداث والوقائع، بل يعمد إلى التنويع فيتعرض لأحداث ووقائع فى مجالات شتى، سواء فنية أو سياسية أو أدبية أو تاريخية.

الأهم أن هناك زاوية تجعل من الشحات متميزًا فيما يعرضه، تكمن فى حرصه على عدم تناول الموضوع فى جانبه الشائع أو المطروق، بل يأخذ بيد القارئ وينير بصيرته بإماطة اللثام عن الشق غير المطروق، ويجعل منه حدثًا تاريخيًا مهما بعد أن كان حدثًا مهمشًا أو ثانويًا، وربما تتعرف أو تستكشف من خلال ذلك عظماء لم يعرهم أحد اهتمامًا، أو حدثًا سقط من ذاكرة التاريخ، فى شكل أقرب إلى البحث التاريخى، وكل ذلك لا بد معه من جهد جبار وكاتب ملم إلمام الشحات ويتمتع بسعة ثقافته.

باختصار نستطيع أن نقول إن «ذات يوم» هى جرعة أو كبسولة تاريخية فى قالب أدبى، أو هى التاريخ مكتوبًا بقلم الأديب والناقد الواعى.
كل ما سبق يدفعنا إلى التساؤل: لماذا أخذ الشحات على عاتقه كتابة هذا العمود رغم ما يحتاجه من جهد مضنٍ حتى لا يقع فى شرك التكرار؟ الإجابة باختصار -كما ذكرها لى- أنه فى كثير من مناقشاته مع مثقفين وصحفيين كثر وجد أنهم يجهلون بالمرة مثل الأحداث المهمة، فكان عبء كتابة هذا العمود، ثم يكمل: «لكن للأسف مش بيقروه».

وأيا ما يكن فإن هذا السبب التثقيفى النبيل، إن دل فإنما يدل على كاتب يعرف عبء مسئولية الكتابة ولماذا يمسك بالقلم، فأصاب المرمى.

عمنا سعيد جزيت خيرًا بحجم ما تبذل من جهد وبحجم ما أردت من كتابة هذا العمود، نعرف أن جعبتك بها الكثير وننتظره، واسمح لى أن أقترح عليك جمع هذه المادة الثرية فى سلسلة كتب، فهناك من ينشدون ما تصبو إليه، وإن كنت لا تدرى.

كنت أرغب فى ذكر أمثلة ما جاء فى «ذات يوم» كشواهد، لكن كل حلقاتها جاءت على مستوى واحد من الإمتاع، فكاتبها واحد، ما لا يدع مجالاً للانتقاء، فضلاً عن أن مساحة هذا المقال لا تسمح لى بذلك، وحسبى أن أقول: اقرأوا «ذات يوم».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة