شهدت ثورة 25 يناير كثيرا من المواقف الكوميدية، لكنها من نوع الكوميديا السوداء على طريقة نجيب الريحانى عندما تحول مكرهًا فى فيلم «سى عمر» إلى حرامى تحت إرهاب المعلم ساطور، ثم تحول مرة أخرى إلى عمر الغنى صاحب العزبة، بينما هو جابر الغلبان الموظف الذى كان شريفا وطرده ناظر العزبة عندما اكتشف التلاعب فى الدفاتر.
وإذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا، حتى لا ننسى، حتى نفهم اللحظة الحاضرة من خلال المواقف التى عايشناها، نكتشف على الفور أن ثورة 25 يناير قام بها عموم الشعب الكادح، ورقص على طبولها الانتهازيون والمتحولون وأصحاب الوجوه المكشوفة والأراجوزات الذين غنت لهم السندريلا «داروا وشكو عنى شوية كفايانى وشوش.. ده أكم من وش غدر بيا ولا ينكسفوش».
لعب الأراجوزات والمتحولين بدأ قبل اندلاع شرارة الثورة وخروج الناس للميادين، بدأ بمحاولة تبرير مقتل خالد سعيد على يدى أمينى شرطة بالإسكندرية، من خلال لوم الضحية خالد سعيد نفسه ووصفه بأنه محشش ومسجل خطر وهربان من الجيش، وكأن هذه الأوصاف لو صحت تبرر مقتله بالطريقة البشعة التى تمت، كما بدأ بتمجيد نظام مبارك ومحاولة استدرار التعاطف معه من الجماهير التى تغلى وتنتظر فرصة لتنفث عن غضبها، لكن سرعان ما قلب الأراجوزات الصفحة، مع بداية الثورة، فتحول خالد سعيد من مواطن تم قتله فى ظروف مسيئة على أيدى الشرطة إلى بطل قومى، وتحول مبارك إلى نظام شائخ جرفته قوى التغيير الشعبية التى تستحق التأييد والاحترام!
ومن يستعيد لقطات ومشاهد التوك شو وكلها مسجلة ومحفوظة بقوة التكنولوجيا التى منحتنا ذاكرة ضد النسيان، يكتشف كم التحولات الرهيبة لأناس يبتكرون كل يوم خطابا جديدا حتى يحافظوا على مكاسبهم الشخصية، وطظ فى المبدأ والمصلحة الوطنية. ومن يراجع فقط مانشتات الأهرام والأخبار والجمهورية أيام 10 و11 و12 فيراير 2011، يكتشف مستوى إبداع وفن الراحل بديع خيرى الذى كتب فيلم سى عمر ورسم شخصية جابر «نجيب الريحانى» ليشتغل لصا مع «كوارع» الذى سرقه فى اللوكاندة وتحت قيادة القصرى أو المعلم ساطور، بل يتفوق عليهما فى السرقة وفى الغش أثناء لعب «الورق».
ربما كانت هذه بدايات التحولات وظهور الأراجوزات، لكن أيام الثورة وما بعدها شهدت ظهور أراجوزات من العيار الثقيل، أبكتنا على أحوالنا وأحوال البلد ودفعت الكثير منا إلى كراهية السياسة وألاعيبها التى يمكن أن تحول الإنسان إلى ثعبان أو ضبع أو غراب أو كائن أحمق من العصر الحجرى فى لحظة واحدة، ولنعد معا إلى أول انتخابات برلمانية بعد الثورة والتى أتت بالإخوان والسلفيين إلى مجلسى الشعب والشورى وسط أكبر نسبة مقاطعة شعبية صامتة ضد الانتخابات.
وجدنا نوابا يقدمون فقرة الأراجوز على الهواء مباشرة، بداية من رفض حلف القسم، أو إضافة كلمات زائدة للقسم المقرر مثل «بما لا يخالف شرع الله»، وكأنه داخل برلمان كفرة وهو قابض على دينه مثل القابض على الجمر، وبدأ الاستعراض الأراجوزى الكبير فى أوقات الصلاة، عندما تطوع أكثر من نائب برفع الأذان تحت القبة متجاهلا وجود مسجد فى المجلس ومؤذن.
بعض هؤلاء الأراجوزات تورطوا فى فضائح مخلة بالشرف مثل عدم الوقوف عند عزف السلام الوطنى لمصر أو للدول الأخرى حال قيامهم بمهام رسمية فى الخارج، وتسببوا فى أكبر إحراج دبلوماسى تشهده الدولة المصرية، أو فضائح جنسية فى الطريق العام مثل النائب على ونيس المناضل الأشوس وحارس الدين كما يزعم الذى تم ضبطه فى سيارة على الطريق بالقليوبية وهو فى وضع مخل مع بنت الـ19 سنة، وخرج بعدها ليقول أنا برىء والقضية ملفقة، رغم أن شرطة النجدة هى التى قفشته وليس الأمن الوطنى.
ومن هؤلاء الأراجوزات المعلم البلكيمى الذى أخذ فلوس السياسة ليجرى عملية تجميل لأنفه على غير مبادئ الحزب الذى يرفض أى تغيير فى خلق الله، ليس هذا فقط ولكنه خرج من عيادة التجميل ليقدم بلاغا بسرقته والاعتداء عليه، تماما كما فعل الأراجوز الإخوانى حسن البرنس عندما صدمت سيارته عربة نقل على طريق الإسكندرية فصرخ فى جميع وسائل الإعلام: الحقوووونى محاولة اغتيال مع سبق الإصرار والترصد، إنهم يغتالون الحلم الإسلامى والبزرميط البرلمانى إلخ.
وغدا نستكمل الحديث عن علاقة الأراجوزات بثورة 25 يناير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة