د. عمار على حسن

تشريح السلفيين.. أقوالهم وأفعالهم وتنظيماتهم وجماعاتهم

الأربعاء، 03 سبتمبر 2014 11:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مقال الأسبوع الماضى بدأت فى شرح خصائص التفكير السلفى، وتناولت الخاصية الأولى المتمثلة فى النزعة الدينية المحافظة وبينت مظاهرها، وهنا أكمل:

ثانياً، لا تقف هذه النزعة عند حدود الأمنيات بل تتم ترجمتها فى «خطاب» يعمل السلفيون على نشـره وتسويقه على نطاق واسع، ورغم أن هذا الخطاب قديم ويمكن دحضه بسهولة ويسـر من زاوية المنهج العلمى أو تأويل عميق للنص القرآنى أو تبيان فساد عملية الاستدلال، فإنه لا يخلو من تماسك يجعله ينطلى على عقول كثيرة، لاسيما أنه يتوسل بالاستعمال الظاهرى للقرآن والحديث، ويستعين بأقوال الصحابة وأعمالهم، ولذا يرضخ له البسطاء عن طيب خاطر، ظناً منهم أن ما يردده شيوخ السلفية الآن هو بالضـرورة ما يريده الله سبحانه وتعالى، وما أراد رسوله الكريم تبليغه، وما كان عليه الصحابة، ولا يعنى هؤلاء أن يتساءلوا عن حجية استعمال «السير التاريخية» ومدى مصداقيتها، أو المرويات التى ظلت فترة طويلة «خطاباً شفهياً» قبل أن يأتى من يدوّن بعضه فى «نص مكتوب» ويمنحه قداسة، ولا يعنيهم فى الوقت نفسه أن يكتشفوا عملية التلاعب التى تحوِّل أحياناً الرؤية البشـرية إلى مركز أو أصل ثم تستعمل النص الإلهى أو «التنزيل» كعنصـر من عناصـر البرهنة.

ثالثاً: ولا يقف هذا الخطاب السلفى عند حد «الأقوال» بل وجد مؤسسات راسخة وأموالا طائلة تكرّس لنشـره والدفاع المستميت عنه، وتأخذ هذه المؤسسات شكل «جمعيات» مدرسية أو علمية مثل «أنصار السنة المحمدية» فى مصر، أو تدمج بين هذا وبين العمل الخيرى أو النفع العام مثل «الجمعية الشـرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة»، أو دعوية مثل «التبليغ والدعوة»، وقد تأخذ شكل دعوات مثل «سلفية الإسكندرية» وقد تتمركز هذه الدعوات حول أشخاص يتحلق حولهم أتباع كثيرون، مثل ما نراه فى بعض دعاة السلفية الذين يطلّون على الناس من خلف الشاشات الزرقاء، ويتسللون إلى عقول ملايين الناس وأفئدتهم.
رابعاً: لا تقتصـر هذه النزعة على الدين الإسلامى فحسب، فالذين يحنّون إلى «الأصول» أو «الأوَّلانى» وُجدوا فى المسيحية واليهودية، وتشابهت الأصوليات بل تطابقت فى سيرها ونهجها، حيث التفسير الحرفى والظاهرى للنص، والوثوقية التى تفتقر إلى نسبية العلم، والاعتقاد فى أن التقدم لن يتم إلا باستعادة الماضـى كاملاً، والاضطرار أحياناً إلى ممارسة العنف أو الانزلاق إليه طواعية، بدعوى أن هذا المسلك الإكراهى والجارح بل القاتل، يلبى نداء الدين وأهدافه.

خامساً: لا تقف هذه النزعة عند حدود الجمعيات والتجمعات والتيارات التى تطلق على نفسها «سلفية» فحسب، بل امتدت إلى قوى وحركات وتنظيمات إسلامية أخرى، لم تكتف بالجانب الدعوى، بل انخرطت فى العمل السياسى؛ مثل جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، ومختلف التنظيمات والتشكيلات الجهادية، فمؤسس الإخوان جعل من ضمن صفاتها أنها «دعوة سلفية» إلى جانب كونها «حقيقة صوفية»، لكن بمرور الوقت تراجع التصوف فى فكر الجماعة وصعد التسلف، نتيجة تأثر الإخوان بالفكر السائد فى المملكة العربية السعودية حين هاجروا إليها واستقروا فيها فترات طويلة من ناحية، وجراء التأثر بأفكار سيد قطب التى تتقاطع مع السلفية فى بعض جوانبها، بل إنها لعبت دوراً كبيراً فى إنتاج السلفية الجهادية فى العالم العربى، وقد انعكس التسلف الإخوانى هذا فى المقررات التى يدرسها أشبال الإخوان وشبانهم، وكذلك فى دخول بعض الإخوان كدعاة إلى فضاء الدعوة السلفية الواسع، واستغلال الجماعة جوانب من الشبكة الاجتماعية والخيرية التى بنتها الجمعيات السلفية، لمواجهة التضييق الأمنى عليها، كما أن من يطالع المصادر الفكرية التى ينهل منها الجهاديون المسلحون وأتباع الجماعات الإسلامية المسيسة يجد أن فيها ما يعتبره السلفيون كتبَهم الأصلية والأساسية والعُمَد.

سادساً: يظل للسلفية الدعوية مشـروع سياسى وجهادى مستتر أو كامن طيلة الوقت، لا يقوم فقط على الأسس الفكرية والمعرفية القديمة التى تستدعيها فى الواقع المعيش، بل أيضاً على التفاعل مع الظروف الآنية، والتى تفرض على السلفيين أحياناً الانخراط فى السياسة بطريقة مباشـرة، إما دفاعاً عن النفس فى مواجهة سلطة تستهدفها، أو رغبة طموحة فى ترجمة الوجود الاجتماعى إلى رقم سياسـى يعود على شيوخ السلفية بالنفع، أو يوجد جداراً حامياً لهم فى مواجهة عسف السلطة، أو يمهد لهم طريقاً وسيعاً لنشـر دعوتهم.

والتيار السلفى عموماً يرى أن الخروج على «ولـى الأمر» لا يتم إلا إذا توافرت ثلاثة شـروط: أولها: رؤية كفر بواح عند السلفيين من الله فيه برهان؛ وثانيها: وجود البديل المسلم، فيُزال ولىّ الأمر الكافر، ويُبدَّل بولى الأمر المسلم؛ وثالثها: امتلاك القدرة المالية والعسكرية على الخروج ضد الحاكم الظالم، حتى يمكن إزاحته سـريعاً، وبالتالى يتجنب الناس سفك الدماء، وتُجنب البلاد التدمير والخراب، لكن هناك من ينقلب على هذه الشـروط عبر حمل السلاح دون أدنى اعتبار لميزان القوة، مثل السلفية الجهاية، وهناك من صنع مساراً آخر آمناً للخروج على الحاكم من خلال المضـى فى العملية السياسية المشـروعة عبر تكوين أحزاب للمنافسة على السلطة، ولعل الحالة المصرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، تقدم برهاناً ناصعاً على كل هذه الدوافع التى جعلت السلفيين يدخلون إلى غمار السياسة.

وقبل ذلك قدمت الجماعات السلفية فى السودان نموذجاً على الرغبة فى لعب دور سياسـى، فـ«جماعة أنصار السنة المحمدية» السودانية لم تحصـر نفسها فى الحقل الدعوى وإنما كان لها وجود فاعل فى الحقل السياسى؛ حيث نشطت عقب استقلال البلاد عام 1956 لتطالب بتطبيق «الدستور الإسلامى » وتحكيم الشـريعة الإسلامية، كما شاركت فى جبهة الميثاق الإسلامى التى خاضت الانتخابات العامة فى البلاد عام 1964، وفى السنوات اللاحقة اتخذت موقفاً واضحاً من حركة التمرد فى جنوب السودان، فقام أتباعها بتنظيم حملة لدعم القوات المسلحة، وهناك أيضاً «حزب الوسط الإسلامى» السلفى الذى تأسس رسمياً فى أكتوبر 2006، بعد استقالة مؤسسه الدكتور يوسف الكودة من الأمانة العامة ومن المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، محدداً رسالته الحقيقية فى العمل على معالجة الأخطاء المتكررة والتجارب المحسوبة على «المشـروع الإسلامى، وتقديم نموذج إسلامى مختلف فكراً وتطبيقاً، قولاً وعملاً».
كما أن للسلفية الدعوية مشروعاً جهادياً كامناً، يعد إفرازاً طبيعياً للأفكار التى تؤمن بها وللتجربة التاريخية التى تستدعيها دوماً، فالأصول المعرفية والإحالة إلى نماذج واقعية تدفع السلفى إلى الانشغال المستمر بقضية الجهاد، بدءاً من «تغيير المنكر» وانتهاءً بقتال «العدو القريب» و«العدو البعيد»، أو حتى الانخراط فى الصـراع المسلح على السلطة.

فهناك تنظيمات جهادية محلية، مثل «الجيش الإسلامى» و«جيش أنصار السنة» و«جيش المجاهدين» التى تشكلت عقب الاحتلال الأمريكى للعراق، أو العديد من التنظيمات التى تشهدها مصـر منذ مطلع سبعينيات القرن العشـرين، مثل «جماعة المسلمين» و«تنظيم الفنية العسكرية» و«القطبيون». وهناك أيضاً تنظيمات على مستوى إقليمى مثل فرع تنظيم القاعدة فى «بلاد الشام» و«بلاد النيلين» و«بلاد المغرب الإسلامى» و«جزيرة العرب»... إلخ أو على مستوى دولى مثل التنظيم الأساسـى للقاعدة الذى تكوَّن على الأراضـى الباكستانية والأفغانية عام 1998.
ونكمل فى الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة