يبدو أن العلاقات المصرية الروسية تخطو خطوات نحو آفاق جديدة لم تراها من قبل، ولا حتى فى العهد السوفييتى، وهذا الأمر ينعكس بوضوح فى الاستقبال الذى حظى به الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى والحفاوة البالغة التى اتسم بها، والذى آثار جدلاً واسعاً على الساحة السياسية فى داخل روسيا وخارجها، حيث أشار الكثيرون إلى أن هذا الاستقبال وبهذا الشكل لم يحدث من قبل لرئيس دولة أجنبية على مدى حكم الرئيس فلاديمير بوتين، ولا حتى مع الرئيس الأمريكى أوباما أو غيره من الرؤساء، خاصة الجولات الشعبية التى خرج فيها الرئيسان بوتين والسيسى للشارع وسط الجماهير، وكذلك، وهو الأهم، استعراض التقنيات العسكرية الروسية الحديثة.
استقبال بوتين للرئيس المصرى السيسى الآن يختلف جذريا عن استقباله له قبل توليه الرئاسة، عندما كان وزيرا للدفاع، ورغم أن المؤشرات كلها كانت تتجه إلى تأكيد فوز السيسى بالرئاسة، ورغم ترحيب الرئيس بوتين بلقائه معه وتعبيره الصريح بتمنياته له بالفوز بالرئاسة، إلا أن الاستقبال الأخير الأسبوع الماضى يأتى فى ظروف محتلفة تماماً عنها فى الاستقبال الأول فى فبراير الماضى، وبالتحديد قبل اندلاع الأزمة فى أوكرانيا، حيث كانت العلاقات الروسية الأمريكية قبل هذه الأزمة مستقرة إلى حد ما، وكان الحوار الودى قائما بين موسكو وواشنطن، وكان هناك تعاون واضح بينهما فى الأزمات الدولية، مثل فى سوريا وإيران، ولكن هذه العلاقات تعرضت لهزة كبيرة مع تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية، حتى وصلت إلى مسلسل العقوبات التى فرضتها واشنطن على روسيا، مما جعل العلاقات بين البلدين تعود إلى نقطة الصفر، وربما قبلها.
عندما جاء الرئيس المصرى السيسى لروسيا فى فبراير الماضى وهو وزير دفاع، كان لمصر طلبات كثيرة لدى روسيا، لكن موسكو كانت تجد نفسها فى حرج شديد من قبول طلبات مصر كلها، وذلك مراعاة لواشنطن التى ترتبط بها مصر منذ نحو أربعة عقود مضت فى علاقات قوية شبهها وزير الخارجية المصرى السابق نبيل فهمى بأنها أشبه بالزواج الكاثوليكى الذى يصعب حله، وبالتالى فإن أكثر ما كانت تطمح إليه روسيا مع مصر هو الشراكة التجارية والتعامل العسكرى فى نطاقات محدودة، أما الآن ومع تصاعد الأزمة الأوكرانية وتراجع العلاقات بين موسكو وواشنطن لدرجة كبيرة، فقد تحررت روسيا إلى حد كبير من الحرج فى التعامل مع الدول الأخرى، ومنها مصر، ولم يعد يهم موسكو غضب واشنطن.
روسيا الآن تواجه عداءً علنياً وصريحاً من واشنطن وحلف الناتو، وهى الآن بحاجة إلى حلفاء استراتيجيين أكثر من حاجتها لأصدقاء أو شركاء تجاريين، ومصر بمكانتها الكبيرة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وبثقلها التاريخى والثقافى، وبموقعها الجغرافى المتميز والاستراتيجى، ترضى طموحاً كبيراً لدى روسيا استراتيجياً، بنفس درجة أهميتها لدى واشنطن.
من المؤكد الآن فى الظروف الحالية، أن روسيا تتمنى أن تنمو علاقاتها مع مصر إلى هذا المستوى من التحالف الاستراتيجى، ولا يهمها الآن أن تغضب واشنطن أو لا تغضب، ومن المؤكد أيضاً أن هذا الشكل من العلاقات سيكون مفيداً لكلا الطرفين، موسكو والقاهرة، خاصة أن مصر لم تستفيد كثيراً من علاقاتها مع الولايات المتحدة طيلة العقود الماضية، بل ربما تضررت أكثر، ولكن السؤال الهام هنا، هل تقبل مصر هذا المستوى من العلاقات مع موسكو؟، أو بمعنى أدق، هل مصر مستعدة لهذا المستوى من العلاقات مع روسيا؟
الإجابة على هذا السؤال ليست بالسهولة التى ربما يتصورها البعض، خاصة أن هذا السؤال مرتبط تماماً بسؤال آخر حول إمكانية تخلص مصر من أعباء وإرث علاقاتها مع الولايات المتحدة طيلة العقود الماضية، والأمر ليس مجرد قرار سيادى من السلطة الجديدة الحاكمة فى مصر، بل هناك جوانب كثيرة سياسية واستراتيجية وعسكرية وأيضاً اقتصادية داخل مصر، تلعب دوراً أساسياً فى اتخاذ مثل هذا القرار.
الأمر ليس بالسهل، وليس بتمنيات روسيا، ولا بحفاوة بوتين بالسيسى، الأمر يحتاج من مصر، أولاً وقبل كل شىء، دراسة كاملة لكل أبعاد مثل هذا القرار وإمكانيات تنفيذه بهدوء وبدون مشاكل كبيرة، خاصة أن مثل هذا القرار لن يكون بالسهل على واشنطن تقبله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة