تحدثنا فى المقال السابق عن أهمية الخطاب الدينى فى تشكيل الوعى وإعداد الشخصية المصرية من خلال دور المسجد والكنيسة، مما يجعل للخطاب الدينى والفكر الدينى تأثيراً لا يستهان به، فهل خطابنا الدينى فى وضع يمكنه من إعداد الشخصية المصرية التى تواجه هذا التحدى الشامل والمركب الذى يعيشه الوطن فى هذه الظروف الاستثنائية؟ هناك عدة قضايا رئيسية وكثير من الاجتهادات الشخصية قد استغلت بعض العقائد الدينية الثابتة إنجيلياً، فمزجت بين اجتهاداتها وبين تلك العقائد وبالتواتر والنقل قد انسحبت القداسة على هذه الآراء فأصبحت خطأ جزءا من الثابت المقدس، وهنا نناقش قضية المعجزات فى الخطاب الدينى المسيحى وهل يساهم فى تشكيل وعى ناضج يعتمد على العقل أم أن هذا الخطاب ينتج عقلا مغيبا بل يكرس الفكر الغيبى بامتياز؟ من المؤكد أن للأساطير دورا تاريخيا وتراثيا فى خلق وجدان الشعوب فالحضارة المصرية على مدى حقباتها تزخر بكثير من الأساطير التى شكلت الإحساس الشعبى، الشىء الذى أضاف سحر الأسطورة على بعض الشخصيات الدينية مما جعلها ذات تأثير مباشر أو غير مباشر على الفكر الدينى خاصة أن الأقباط يؤمنون بسير القديسين وشفاعتهم الشىء الذى جعل هذا يتطور فى صورة ما يسمى بالمعجزات، فأصبح كل قديس صاحب معجزة وكل مكان لابد له من قديس وكل فعل غير منطقى أو غير مقبول يتم التعامل معه باعتباره معجزة، نعم المعجزات معترف بها حيث إنها وردت فى الكتب المقدسة، ولكن المعجزات الكتابية قد تمت من أجل تحقيق هدف تعليمى وبغرض إثبات مبدأ عقيدى والمعجزات هى الشىء الخارق للعادة والمتخطى قدرة البشر العاديين، كما أن المعجزات لا تأخذ شكل التكرار حيث إن تكرار المعجزة يحولها إلى عادة لا جديد فيها ولا إبهار، وليس بالضرورة أن تصبح المعجزة وتستمر فى شكلها الأول الكتابى، فإذا كان الإنسان هو معجزة الله فى هذا الكون وخصه دون باقى الخليقة بالعقل فإن عقل الإنسان الذى هو معجزة المعجزات قد أصبح الآن صانعا للمعجزات بإذن الله، فعلاج ضعف البصر الشديد جدا بالأشعة أليس معجزة؟ وثورة الاتصال التى فاقت التخيل أليست معجزة؟ ونقل أعضاء الإنسان المتوفى لآخر حى أليس معجزة؟ بل هى معجزات يجب أن تستفز عقولنا لتعمل وتحمس نفوسنا لنجد حتى نصل إلى أقصى حالات التقدم الإعجازى، ولذا فهل يعقل أن يدعى أحد أن الرمال الموجودة حول قبر أحد القساوسة بوسط الصعيد تشفى من جميع الأمراض عند شربها بالماء؟ وهل يصح دينيا وعقيديا أن يقال إن شال «تلفيحة» أحد الرهبان المتوفين يشفى كل من يلمسه؟ أو الادعاء بأن صور القديسين ينزل منها الزيت «ولا نعلم لماذا الزيت تحديداً»؟، لاشك أن تلك الممارسات وغيرها التى لا علاقة لها بالدين تقلل من ثقتنا فى العقل وتعمل على نشر الخرافة، فقد كانت نتيجة لأفكار وتغيرات شخصية من أناس لهم فكر خاص ونتيجة لتكرارها وقبولها دون تفكير ودون إعمال للعقل فقد أصبحت كلاشيهات تصيب الفكر فتجعله جامدا وتصيب العقل فيصبح خاملا ويتحول هذا الفكر إلى ثقافة دينية تسيطر على الأفكار والعقول فلا يستطيع أحد الفكاك منها لأنها قد أصبحت فى قوة المعتقد، مع العلم بأن الكنيسة لها شروط لإعلان المعجزة الصحيحة، فتلك الممارسات تنشر الخرافة وترتد إلى الأسطورة وتلغى العقل فيصبح المواطن فاقد الشخصية مسطح الوعى فلا يملك مواجهة المستقبل ومسايرة التطور فلا المعجزات تصلح طريقة للحياة ولا الإيمان بها يجعلنا نحول كل شىء إلى معجزة، الشىء الذى يسىء إلى المعجزات الكتابية، إن الله يدير الكون بالقوانين لا بالمعجزات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة