لا خلاف على خفة دمنا، ولا أحد فى العالم كله إلا ويتعجب من لطافة المصريين وقدرتهم الفائقة على السخرية من كل شىء حتى أنفسهم! وقبل عقود لاحظ عالم الاجتماع الموهوب الدكتور سيد عويس (1903/ 1988) أن التنكيت على الحاكم الطاغية هو أحد أهم الأساليب التى يواجه بها الشعب المصرى حكامه المستبدين!
وقد تجلت هذه السخرية الظريفة - كما لم يحدث من قبل - فى ميدان التحرير إبان ثورة يناير، حيث ابتكر المصريون عبارات لا حصر لها سخرية من مبارك ونظامه، وأذكر أننى كتبت مقالا نشر يوم 5 فبراير 2011 - أى قبل سقوط مبارك - عنوانه «خفة الدم المصرية فى المظاهرات المليونية»، جمعت فيه أكثر من 150 تعليقا ساخرًا على مبارك أطلقها الشباب فى ميدان التحرير، وقد نشر هذا المقال فى جريدة أخبار الأدب فى عهد رئيس تحريرها الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مصطفى عبدالله.
إذن.. لا خلاف على قدرتنا المدهشة فى السخرية، لكن الوضع تغيرالآن، وتراجعت السخرية الطيبة - إذا جاز القول - لتحل محلها البذاءة العنيفة التى تسب وتلعن، فإذا أتيح لك قراءة تعليقات كثير من القراء فى أى موقع، سيعتريك الذهول من حجم البذاءة المنثورة فى مواقع التواصل الاجتماعى.
طالع من فضلك أى خبر أو مقال، ثم اقرأ التعليقات الواردة، ستجدها مكتظة بشتائم وسباب إذا اختلف المعلق مع الفكرة أو الخبر المنشور، وكثير من هذه الشتائم لا يتورع عن سب الآباء والأمهات، لكن الأخطر أن الشتام لا يناقش الرأى المطروح بجدية، ولا يفند عيوبه - من وجهة نظره - بهدوء.
أغلب الظن أن هذه البذاءة المتفاقمة تنبثق من طبقتين: بذاءة السادة والكبار الذين نهبوا البلد طوال عقود، فتجبروا وظنوا أنهم يملكون الأرض ومن عليها، أما الجزء الثانى فيتمثل فى بذاءة المستضعفين من فقراء ومحرومين من التعليم الذين يعبرون عن حظوظهم الشحيحة بإلقاء السباب الفاحش على كل من يطرح رأيًا مختلفا عن آرائهم!
أجل.. إننا بحاجة إلى مزيد من السخرية اللطيفة، حتى نتمكن من خنق البذاءة المذمومة الملتصقة بأرواحنا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة