«خذلتمونا بصمتكم وتخذلوننا بصوتكم»، هكذا تحدث شاب فى العشرينيات محتدا على رجل فى نهاية الأربعين، الذى ردّ عليه بوصم جيله بالتفاهة والسطحية وافتقاد الرؤية الواضحة والتشرذم واستخدامهم كأدوات فى صراعات داخلية وقوى خارجية، واستمر السجال ليتهم الأجيال السابقة بالتخاذل واستمراء الخنوع لاستبداد الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر، وانحيازهم حاليا لما أسماه «حكم العسكر»، واحتدم الجدل بينهما بتعبيرات خشنة لينتهى الأمر باتفاقهما على عدم جدوى الحوار.
هذه الملاسنات تشتعل فى شتى أنحاء مصر، بل تجاوزتها للاشتباك العابر للحدود خلال مواقع التواصل الاجتماعى الإلكترونية، فجيل الشباب الذى اكتشف قدرته على التغيير يرى الأجيال السابقة متورطة بالخنوع لاستبداد أنظمة الحكم، بينما يرى الجيل الأكبر أنهم مهدوا الطريق لاندلاع الثورات بكتاباتهم وأنشطتهم السياسية، وصولا لتعرض آلاف منهم للسجن والملاحقات الأمنية، متهما الشباب بالنزق وعدم اكتمال أدواتهم وانشقاقاتهم المستمرة، وتهافت خطابهم السياسى وافتقادهم لروح العمل الجماعى، بين جيل الشباب الذين لم يتجاوزوا مرحلة المراهقة بمفهومها البيولوجى والنفسى، والجيل الذى تجاوز العقد السابع ولم يزل لاعبا مؤثرا بمعظم مؤسسات الدولة والمسار السياسى الراهن متمثلا بخريطة الطريق يقف جيل الوسط الذى يتهم كلا الجيلين بالأنانية، فالكبار ظلوا يعاملونهم كأنهم أطفال حتى تجاوزوا الأربعين، والتصقوا بمقاعدهم حتى شاخوا وشاخت معهم الدولة وتعمدوا تهميشهم لدرجة استسلامهم لليأس تسكنهم المرارات.
ويتهمون الجيل الأصغر بافتقاده أدوات العمل العام والخبرات التى تؤهله للمشاركة، وصولا لوصمه بالانحطاط الأخلاقى لأنهم لم يتلقوا التربية ولا التعليم الكافيين، وشهوتهم العارمة للانتقام والرغبة فى تدمير مؤسسات الدولة.
ثمة ضوء خافت يبدو فى نهاية النفق يتحدث بحكمة عن «تواصل الأجيال» باعتباره «سُنّة الحياة» وليس مقبولا استبعاد أى طرف بل ينبغى الاتفاق على مبدأ «إرادة التغيير» فنستفيد بخبرة الكبار وحماس الشباب للعبور صوب «الجمهورية الجديدة» بذهنية تصالح الأجيال، وليس صراعها، لكن هذه الرؤية الحكيمة لم تزل تتبلور، فالاستقطاب بلغ مداه فى سلسلة صراعات يبدو أنها ستستمر كإحدى تجليات وجع المخاض الصعب الذى تشهده مصر، بل معظم بلدان المنطقة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة