السياسة هى علم العلوم، أى أن السياسة ليست هى علم محدد يمكن استيعابه والقياس عليه فى كل الأحوال، وعلى مدى الزمان، ولكن السياسة هى رؤية واضحة ومعلنة تنحاز إلى الجماهير وتنطلق من الواقع بعد توصيفه توصيفا صحيحا وسليما حتى توضع المناهج والبرامج والآليات الصحيحة والسليمة التى تستطيع أن تواجه هذا الواقع للانطلاق به نحو مستقبل أفضل وأكثر تقدماً، وكذا فهذه الرؤية تختلف منطلقاتها وتتنوع آلياتها بين الأمس واليوم، وعلى ذلك لا نستطيع أن نفصل واقعنا المعاش الذى تعيشه البلاد بكل تعقيداته وتشابكاته الداخلية والخارجية الإقليمية والدولية عن رؤية ومعرفة وقدرة من يصلح أن يكون رئيسا قادما، وهل يستطيع مواجهة هذا الواقع وتغييره للأحسن؟ فمن كان يصلح للأمس ليس بالضرورة هو من يصلح لليوم، ولذا فعلى ضوء هذا الواقع الذى أحدث هبتين جماهيريتين أسقطتا نظامين فى أقل من ثلاث سنوات، ذلك على خلفية الانحياز الكامل والتاريخى من قوات الشعب المسلحة إلى إرادة هذا الشعب العظيم.
هنا نستطيع أن نقول إن هذا الواقع لا يستطيع أن ينطلق إلى المستقبل القريب على الأقل بغير توحد حقيقى بين الشعب وقواته المسلحة، خاصة أنه لم تحقق الثورة المأمول حتى الآن على أرض الواقع، ذلك لغياب التنظيم والرؤية والآليات الثورية عن دائرة صنع القرار فيصبح من غير المعقول أن يعيش الوطن والجماهير فى حالة هبات جماهيرية مستمرة لا تحقق ثورة ولا تحدث تغييرا حقيقيا للأفضل بقدر ما تؤسس لفوضى عارمة خاصة أن الظروف الاقتصادية والحالة الأمنية والسيولة السياسية والحروب الإرهابية، وذلك على خلفية واقع اجتماعى مهلهل وعشوائى جاهز لتحويل أى هبة ثورية إلى فوضى لا تبقى ولا تذر، وإذا كان هذا الواقع قد فرض السيسى ليكون مرشح الضرورة مع احترامنا للجميع وحقهم فى الترشح، فإن هذه الضرورة مشروطة ومحددة بقدرة السيسى على إحداث التوازن والتوافق بين الواقع الذى لا فرار منه وبين المأمول الذى لا بديل عنه، وهذا يعنى المحافظة على هذا الارتباط والتمسك بهذه الثقة الجماهيرية التى يجب أن توظف بشكل صحيح وبحسابات دقيقة ومنضبطة، يعنى هذا أن تكون هناك رؤية وخطط محددة وواقعية للبدء فى حل المشاكل الآنية واليومية للمواطن الذى يعانى، هذا بالطبع غير الخطط المتوسطة والطويلة الأجل التى تتكامل جمعيها فى إطار رؤية سياسية مستقبلية، وهذا يتوازى مع إعادة التوافق الوطنى وتوثيق اللحمة الجماهيرية لكل القوى الوطنية التى تؤمن الوطن وتخاف عليه وتنتمى إليه حتى يتم تحقيق آمال الجماهير والوصول إلى أهداف الثورة حتى ولو بالطريق الإصلاحى، ولذا فشعار «رئيسا لكل المصريين» يصبح ضرورة وقيمة تاريخية يجب تحقيقها واقعيا بعيدا عن المفهوم الشعاراتى، لأنه بغير ذلك ستظل حالة الاغتراب مسيطرة على الجميع، ويمكن اختراق الجميع من خلالها٫ مثلما هو حادث الآن للبعض، فمرشح أو رئيس الضرورة لن يُعفى من التزام أو تسقط عنه مسؤولية، بل التزامه أكبر ومسؤوليته أعمق، حمى الله مصر وشعبها حتى تكون لكل أبنائها المخلصين الأوفياء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة