هل تذكرون قصة استخدام الجيش السورى للأسلحة الكيماوية ضد شعبه؟ وهى القصة التى أقامت أمريكا الدنيا ولم تُقعدها منذ عام إلا باضطرار الجيش السورى للتخلص من ترسانة الردع الكيماوى التى بناها على امتداد نصف قرن. هل قرأتم التقارير الغربية التى كشفت مؤخرا أن أمريكا هى التى قامت بالتعاون مع تركيا بتهريب كميات من غاز الزارين إلى ما يُسمى المعارضة السورية لتتخذ أمريكا من ذلك ذريعةً للهجوم على سوريا؟
لعل قليلين هم الذين يذكرون جانبا من قصة اتهامٍ مشابهٍ تم توجيهه للجيش المصرى منذ حوالى عامين ونصف العام بواسطة نفرٍ منّا (بحُمقٍ أو سوء نية) ولكن الله سلّم. أُذكّركُم بالقصة كاملةً.
عقب ما سُمى بأحداث محمد محمود فى نوفمبر 2011، تسابق عدد من الصحف الحكومية والحزبية لنشر أحاديث مع الأستاذ الدكتور أحمد معتز أستاذ الجراحة والأعصاب بكلية طب قصر العينى وعضو لجنة تحليل القنابل والغازات المستخدمة ضد ثوار محمد محمود (هكذا سمته وسمتهم وسائل إعلامنا)، وقام إعلاميون كبار بمحاورته عبْر مداخلات فى أكثر من قناة فضائية مشهورة.. وكان خلاصة ما قاله ما يلى:
إن الجيش المصرى استخدم 90 ألف قنبلة كيماوية بمعدل 2000 قنبلة فى الساعة، أما أنواع القنابل المستخدمة فهى:
1–غاز vx تركيز %24 وهو لا يُستخدم إلا فى الحروب.
2 – غاز cs وقد عُثر على قنبلتين لم تنفجرا مكتوب عليهما «صُنع فى مصنع حيفا بإسرائيل».
3 – ذخائر اليورانيوم المخصب.
4 – قذائف الفوسفور %15 والكلور %18 التى تم تصنيعها فى بنسلفانيا بواسطة هيئة عسكرية أمريكية.
5 – غاز الخردل الذى استُخدم فى الحرب العالمية الأولى وأباد به صدام حسين قرية حلابجة.
وأضاف أن كل ذلك تم بتعليمات من طنطاوى الذى سماه متهكما «رئيس المجلس الكيماوى».. وأضاف أنه قام بمعاينة الجثث الموجودة بمشرحة زينهم ووجد أن الهجوم الكيماوى أدى إلى تنشيف الجلد وخروج العينين وعندما قام بتحليل المواد الكيماوية التى وجدها على جثث الشهداء وجد فيها نسبة يورانيوم مخصب %1.
وأشار إلى أن الجهات التى اشتركت فى تحليل القنابل هى: المركز القومى للبحوث والمركز المصرى للدواء ومركز فحص الحرب الكيماوية فى ألمانيا ومصر. وقال إن عدد المصابين 8000 تم علاجهم فى 12 مستشفى ولكنهم مهددون بالإصابة بالسرطان خلال 6 شهور. ثم فجّر مفاجأة مدوية بإعلانه أن عدد الشهداء ليس 34 وفقا للبيانات الرسمية وإنما 1004 شهداء منهم 8 جثث لأطباء تم مداهمتهم كيماويا فى المستشفى الميدانى، وقام المجلس العسكرى بإخفاء 960 جثة فى الصحراء بالتعاون مع كبير الأطباء الشرعيين بالإنابة. وأعلن أن تقرير اللجنة التى شكلتها المفوضية الأوروبية من 100 عالم متخصص من علماء الكيمياء والحرب الكيماوية والأطباء (وذكر أسماء 16 منهم على سبيل المثال) قد أعدّت تقريرها الطبى الذى وثقّت فيه جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المتظاهرين فى الفترة من 19 إلى 24/11/2011 بمناطق محمد محمود بالتحرير وميدان الممر بالإسماعيلية وسموحة بالإسكندرية وأنه سيتم تسليم التقرير للمحكمة الجنائية الدولية.
قامت الائتلافات الثورية التى توالدت بالآلاف بترويج هذه التصريحات عبر وسائل التواصل الاجتماعى وتولى إعلاميون كبار نشرها عبر الأثير حيث كان الهجوم على الجيش والمجلس العسكرى هو الموضة السائدة ونوعا من أنواع البطولة المجانية لثوار ما بعد الثورة.
وعبثا حاولت القوات المسلحة أن تدافع عن سمعتها أمام شعبها، وهو موقف لم تتعود عليه من قبل، فأرسلت عددا من علمائها لأحد البرامج التليفزيونية الذى استقبلهم على مضض، وقاموا بنفى هذه القصص جملةً وتفصيلاً طالبين مناظرة السيد الدكتور/ أحمد معتز فأعلن سيادته امتناعه عن التواجد مع القتلة فى الأستديوهات.. فتعاطف معه (الثوار) مبررين ذلك بالخشية عليه من بطش (العسكر). ولم يُصدّق أحدٌ هؤلاء (العسكر)، وكيف يصدقونهم أمام هذا السيل المتدفق من البيانات الدقيقة الواثقة؟!
واستمرت بيانات وتصريحات د/ أحمد معتز عدة أسابيع أصبح خلالها عَلَما من أعلام المستشفى الميدانى وأصبح يُلقب بالعالم الجليل طبيب الثورة الذى يعالج الثوار ويفضح جرائم طنطاوى.. وتلقفت وسائل الإعلام الغربية هذه القصة وقامت بترويجها.
فى هذا التوقيت كنت أُقابل الكثيرين من الأصدقاء من النخبة السياسية يرددون هذه الأقاويل أمامى فأقول لهم إن هذا مستحيل، ليس فقط لأن الجيش المصرى لا يمكن أن يفعل ذلك بشعبه الذى انحاز إليه، ولكن لاستحالة ذلك علميا بحكم تخصصى الدقيق.. فلم يقتنع بكلامى أحد لا سيما أن أحدهم أفحمنى بأنه استنشق الغازات السامة شخصيا فى ميدان التحرير!
ما سبق هو المعلوم من هذه القصة التى تم تتويجها بقيام (الثوار) بتلويث سمعة الجيش المصرى على موقع ويكيبيديا وغيره، وتأكيد استخدامه الأسلحة الكيماوية وقتل الآلاف فى ميدان التحرير أثناء أحداث محمد محمود!. أما ما لا يعلمه إلا قليلون فهو ما يلى:
تقدمت نقابة الأطباء ببلاغ بعد ما فشلت فى استدعاء أحمد معتز لتدقيق بياناته التى لم تجدها فى سجلات النقابة. وبعد ذلك بعدة أسابيع وأثناء ما سُمى بأحداث مجلس الوزراء تم القبض على أحمد معتز وأمر قضاة التحقيق المنتدبون من وزارة العدل بحبس سيادته ثلاثين يوما على ذمة التحقيقات، فتم تدشين مواقع من عينة «الحرية للدكتور أحمد معتز». أما التحقيقات فقد أظهرت أن العالم الجليل طبيب الثورة ليس أستاذا فى كلية طب قصر العينى، بل هو ليس طبيبا أصلا وإنما هو عاطل حاصل على بكالوريوس التجارة ويضارب فى البورصة.. وكانت قمة المهزلة هى أن اسمه ليس أحمد معتز وإنما فتحى أحمد عبدالخالق!
فى 24/8/2012 نُشر خبر صغير جدا فى صفحة داخلية بإحدى الصحف يفيد بأن محكمة جنح مستأنف قصر النيل قضت بحبس العاطل فتحى أحمد عبدالخالق لمدة عامين بعد أن ادّعى كذبا أنه أستاذ مخ وأعصاب بطب قصر العينى ومارس علاج المصابين بالمستشفيات الميدانية وأشاع أخبارا كاذبة ووجه الإهانات بالقول والصياح بالسباب ضد الجيش والشرطة ومصلحة الطب الشرعى.
كان إلى جانب هذا الكاذب فى الميدان والمستشفى كثيرون ممن اكتشفوا مبكرا أنه يكذب، لكن أحدا منهم لم يفضحه، إما لأن من مصلحتهم انتشار الأكذوبة أو خشية أن يُتهموا بأنهم مع الجيش (وكأنها تهمة). هل اعتذر أحد من الإعلاميين أو مدّعى الثورية أو السياسيين الذين شاركوا فى هذه الفضيحة وألصقوا بجيشهم جرائم لا يجرؤ عليها إبليس نفسه؟ لا أقصد الاعتذار للجيش الذى تحمّل ولا يزال مثل هذه الحماقات لأن إحسانه أكبر من إساءات الصغار.. ولكننى أقصد الاعتذار للشعب الذى كذبوا عليه.. لا سيما أن هذه الأكاذيب لا زالت عالقة فى الفضاء الإلكترونى، ويرددها حلف الجزيرة الخائن ويستدعيها أعداؤنا من أرشيفهم وقت الضرورة.. بالطبع لم يعتذر أحد.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء والحمقى والخونة منّا.. آسفون يا جيشنا.. آسفون يا مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة