مضت الجماعة عبر عمرها الثمانينى لاتلوى على شيئا، ولا تكترث بكل ما أصابها وأصابته فى طريقها من دين أو وطن، ظلت عصية على المراجعة أو التفكير، تلك الذنوب التى تكفلت بطرد كل من يضبط متلبسا بواحدة منها، فما الذى جعل الجماعة عصية على المراجعة والتفكير بهذا الشكل الذى أفاض بها فى النهاية إلى هذا المصير، الذى يكاد يكتب نهايتها الوجودية بعد أن كتب لها النهاية الأخلاقية والسياسية، ما هى كوابح المراجعة والتفكير لدى الجماعة.
أتصور أن هناك سبع غوايات مثلت تلك الكوابح، أولها التنظيم الذى تحول إلى عجل مقدس لدى الجماعة والمفترض أنه وسيلة خادمة لمشروع، ظنه البعض قيميا يخلو من الانتهازية والكذب والخداع فصدقوه، هذا التنظيم المحكم الذى ظلت قيادة الجماعة تفخر بأنه ظل عصيا على الاختراق، حتى قامت ثورة يناير وهاجم البعض مقرات أجهزة أمن الدولة، فاكتشف آحاد الجماعة كيف أن بعض القيادات الوسطى كانت تعمل لحساب الأمن وتمده بالمعلومات، وقع الإخوان ضحية لغواية التنظيم المحكم القادر على حشد وتعبئة أفراده فى وقت قياسى، القوة التى ظل الإخوان يفخرون بها وهى نفس القوة التى كتبت نهايتهم فى الاتحادية، يوم أقدموا على حماقتهم الأخطر، وقدموا أنفسهم وتنظيمهم ليحمى الرئيس فى الاتحادية بدلا من أجهزة ومؤسسات الدولة، والمرة التى سبقتها يوم دفعوه أيضا ليحمى نواب الإخوان وهم يدخلون البرلمان، غواية التنظيم جعلتهم يتصورون أنفسهم بديلا موازيا لمؤسسات الدولة، واعتمدت استراتيجيتهم البائسة على ذلك فلم ينفعهم التنظيم فى مواجهة الشعب، الذى ثار عليهم فى 30 يونيو وقرر إنهاء حكمهم. الغواية الثانية هى عمر الجماعة الطويل، حيث ظلت تفخر بأنها هضمت كل الأنظمة جمهورية وملكية دون أن تنتبه أن الشيطان أنظره الله إلى يوم يبعثون، فلم يكن هذا الإنظار دليل كرامة أو اصطفاء، فليس العمر الطويل دليلا على الرفعة وامتلاك الحق، أنتم ظللتم طوال الوقت تناقضا مع مسيرة الدولة فى كل وجوهها لأنكم ببساطة لاتؤمنون بها، يوم كان الشعب يخوض معركة الدستور ويثور ويقتل فى الشوارع على يد حكومة إسماعيل صدقى عدو الشعب، ذهب مرشدكم لامتداحه ومباركة اختياره رئيسا للوزراء، فلم يكن تاريخكم الطويل سوى تاريخ التناقض مع مسيرة الدولة والشعب، يوم زرعتم تلك الفكرة الجهنمية بالتناقض بين الدين والدولة الوطنية، لم تقهروا الأنظمة بل مثلتم خطة إشغال طويلة الأمد وأضعفتم الدولة الوطنية فى مصر عن عمد، فلا تغتروا بتلك الغواية حتى لو دمتم مائة عام فستنتهى فكرتكم لحساب أفكار أنقى وأنضج. الغواية الثالثة هى إقبال الشباب عليكم، وتلك الشريحة والله على مالها من فتوة وقوة وإقبال ونشاط، هى أيضا بنت الحماقة والنزق والرغبة فى ارتياد المجهول، وأنتم مجهول له جاذبية قد يدفع بعض الشباب لمحاولة اكتشافه وقد يدفع البعض زهرة عمره قبل أن يكتشف زيف دعوتكم، فى دراسة لمعهد جالوب الأمريكى الذى تثقون به كثقتكم فى كل مؤسسات ماما أمريكا، عن دوافع من ينضمون إلى داعش تبين أن الباعث الأول لدى هؤلاء الشباب فى الشريحة العمرية من 15 إلى 25 الرغبة فى تحقيق الذات والإثارة التى تقدمها تلك الجماعة، ولستم بعيدين عن هذا الدافع فلا تغتروا بتلك الغواية، كما أن تاريخكم مع ثورة يناير التى قادها الشباب وفصلكم من اشترك منهم فى الثورة دليل على عمق حبكم لتلك الشريحة، وحرصكم على تمكينها فى قيادة الجماعة مما لا تخطئه العين!
الغواية الرابعة الادعاء بأنكم تحاربون كل الأنظمة بالنقاط، وأن استنزاف النظام الجديد بالمظاهرات المستمرة التى تقطع الطريق على استئناف الحياة الطبيعية، ومن ثم الاستقرار الذى يجذب السياحة والاستثمار هو ديدنكم، وأعتقد أن هذا الرهان خاسر وينهى أى تعاطف معكم، ويكشف كم تكرهون هذا البلد بتآمركم عليه ثم ادعاء الدفاع عن حقوقه. غوايتكم الخامسة هى ادعاء امتلاك الحقيقة، وتصور أنكم حفظة هذا الدين وأن ماتلاقونه من كل الأنظمة عن غير اتفاق، هو دليل على أنكم دعاة الحق والامتداد الطبيعى للجماعة المسلمة الأولى، التى تعانى فى سبيل تمكين الدين وتواجه نفس الأعداء، وهذا وهم كبير فما اعتقدتموه حقا هو لون من ألوان التدين يقترب أو يبتعد من حقيقة الدين، الذى يتقاسمه كل الناس ولا يملك حقيقته سوى منزله الحق تبارك وتعالى، لكن ما عمق ذلك الشعور لديكم لم يكن سوى الغواية السادسة، التى زرعها فى نفوسكم سيد قطب العزلة الشعورية والوجدانية عن المجتمع، التى تنتج ما سماه الاستعلاء الإيمانى النابع من امتلاك الحقيقة، وبالتالى لا تسمعون سوى رجع صدى أصواتكم، بالشكل الذى يحول بينكم وبين سماع النصحية التى جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا قال: « الدين النصحية قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» لكن تلك الدعوة متى كانت توجه سلوككم، فالغاية لديكم كانت دائما تبرر الوسيلة فى سلوك ميكيافيلى لازمكم منذ النشأة، واقرأوا التاريخ لتعرفوا الحقيقة، حقيقة الغواية السابعة التى حاولتم من خلالها الجمع بين الدعوة والسياسة والحكم، فلم تكن تلك الدعوة سوى قشرة رقيقة توسلتم بها فى الوصول لأهدافكم، سقطت تحت أضواء عام واحد من الحكم، فبدا كم كان لديكم هذا الشبق تجاه الحكم، فلما خسرتموه طار صوابكم وكشفت خبيئة نفوسكم ورفعتم قميص عثمان، المظلومية التى هى أعظم غواياتكم فضلا عن غوايتكم السبعة، التى رمت بكم فى تيه فاق تيه بنى إسرائيل، خمسة وثمانون عاما ولم يفكر أحد فيكم كيف صرتم إلى ما صرتم إليه، فكروا يرحمكم الله رحم الله العقاد الذى عد التفكير فريضة إسلامية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة