لحوم العلماء مسمومة، لكن الدين نفسه يمكن تحويل أحكامه وشعائره إلى «فتة» شهية يأكلها العلماء أو يبيعونها للناس حتى تشبع بطونهم.
من قال لك إن أعمال البقالة تتوقف عن حدود الاتجار فى السلع التموينية؟ ومن أخبرك بأن كل بائع يحمل اسم بقال أو تاجر فقط، بعض الباعة يحملون لقب شيخ، وتجارتهم لا تحتاج إلى دكاكين أو ثلاجات حفظ وعرض، تجارتهم رائجة ولا تحتاج منهم سوى لحية طويلة وعلامة فى الجبهة وجلباب قصير وبعض من الإسطوانات الكلامية المحفوظة التى تتقدمها عبارة تم تعليبها خصيصًا لخدمة هذا النوع من التجار «قال الله وقال الرسول».
تجار الدين يربحون أكثر، يربحون فى الدنيا لا الآخرة على عكس ما يدعون، تجار الدين يقولون دوما: «فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء، لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء»، وحينما تحدثهم عن الإلحاد والكفار وغيرهم من التائهين فى دروب الدنيا، يخبرونك بأن نشر الدعوة فرض، والسعى لنشر الهداية ونصح الضالين وإرشادهم للطريق الصواب واجب، حتى ولو كان على حساب جهدك ووقتك ومالك، ثم يرفقون كل هذه العبارات المحفوظة بعبارة أخرى تقول: «وكله فى سبيل الله لا نبتغى وجهًا سواه ولا لمال نعمل أو جاه»، ولكنهم دوما يحصلون على مقابل ما يدعون أنه فقط لوجه الله ورسوله!!
أنا وأنت وكل من تطربه العبارات الفخيمة السابقة، كان يظن أنها دليل إخلاص، ولكن الإعلانات التى ينشرها الشيوخ فى الشوارع عن دورات تدريبية فى مواجهة الإلحاد، فى مقابل مبلغ محدد يؤكد أن كل شعارات لوجه الله ولرسوله، ما هى إلى وسائل «للزينة» و«صوباع روج» لتجميل الوجه القبيح لبعض من يدعون أنهم رجال دين؟
لو أن أحدهم أخبرك بأن صحابيًا جليلًا من صحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام وقف فى ساحة الكعبة، وجهر بصوته يعلن للناس أنه سينظم دروسًا فقهية وفكرية لتعليم المسلمين فن الرد على كفار قريش وأسئلتهم وسخريتهم من الدين، مقابل الحصول على دينار أو شق تمرة من كل راغب فى حضور مجلس العلم.. لو أن أحدهم أخبرك بذلك، وجاء لك بألف كتاب يقول بتلك الرواية لن تصدقه، وستظل تبحث وتبحث حتى تكشف كذبته، ولكن حينما ترى بعينك أن واحدا أو مجموعة من هؤلاء الذين ظلوا لسنوات عديدة يقنعون الناس بأنهم خير خلف لأفضل سلف، وأنهم خير تابع للصحابة والأولين، ثم تجده فى يوم تالى رفع فوق شركته لافتة إعلانية تقول: إنه على استعداد بأن يمنحك بعضا من العلوم الشرعية والفكرية التى تدافع بها عن دينك وعن سنة نبيك مقابل 75 جنيها.. وقتها فقط لا تلم ضعاف النفوس والصغير من الشباب حينما يخبرك بأن الدعوة إلى الله ما هى إلا تجارة يتربح من خلفها الشيوخ أو من يسمون أنفسهم كذلك، وأنه لا شىء من الشعارات المرفوعة الخاصة بأن الجهاد فى الدعوة ونشرها لأمر الله، صحيح أو خالص لوجه الكريم، بل هو وسيلة لجمع المال.
كل هذه المقدمة الطويلة لكى أخبرك أن 4 شيوخا سلفيين من الذين صدعونا طوال شهور ما بعد الثورة عن مجد نشر الدعوة الإسلامية، وأن كل إنسان يحمل فى داخله داعية واجب عليه أن يقوم بدوره لنشر صحيح الدين، أعلنوا عن تنظيم دورة مقاومة الإلحاد تحت رعاية مركز الفتح للبحوث والدراسات، على أن يقوم كل مشترك بسداد 75 جنيها مقابل الدورة التى تعلمه كيفية مواجهة الملحد وتوفر له وجبة غداء طوال أيام الدراسة.
هذه الدورة لم تكن الأولى التى ينظمها مركز الفتح لمقاومة الإلحاد، وهى أيضا ليست الأولى من نوعها، فلقد شهدت الفترة الأخيرة استغلالا سلفيا وإخوانيا لراغبى تحصيل العلم الشرعى مقابل مبالغ مادية محددة، منذ شهور سبقهم الإخوانى فاضل سليمان ونظم دورة تحت عنوان، كيف تحاور مرتداً بين الإسلام والمسيحية والإلحاد؟ مدتها 12 ساعة مقسمة على 3 أيام مقابل 300 جنيه، مع خصم 50 جنيها للطلبة وتذكرة مجانية لكل خمس أشخاص يدفعون 1500 جنيه للمشاركة فى الدورة، ثم اتبع فاضل سليمان ومن معه من تجار الدين أساليب دعاية «كارفور» وباعة الأرصفة، وأعلنوا عن خصم 100 جنيه لكل فرد يقرر الاشتراك فى الدورتين، «كيف تحاور متنصرًا» و«كيف تحاور مرتدًا»، تحت شعار ادفع 500 جنيه بدلاً من 600 ودافع عن دينك.
ولكى تكتمل العملية التجارية، وتتشكل أمامك الصورة الوقحة لاستغلال الدين، وكذب كل الشعارات التى يرفعها أمثال فاضل سليمان وغيره من الشيوخ القائلين بالغيرة على الشريعة ودين الإسلام، يقوم السادة أصحاب هذه الإعلانات بوضع فتاوى تقول: إن الفئات التى يجب عليها أن تحضر الدورة هى المؤمن الذى يريد أن يرقى بإيمانه، وبالتالى كل من لا يدفع 300 جنيه أو 75 جنيها للمشاركة فى الدورة يصبح شخصًا رافضًا للارتقاء بإيمانه، أما النوع الثانى الذى يجب عليه الحضور فهو المؤمن الذى غابت عنه حقيقة الإنسان كجسد وروح وأبهرته كلمات الملاحدة وعلومهم، وهذا أيضًا يجب أن يدفع حتى يعلمه الشيوخ ما نقصه من علم، وكأن نشر الدعوة «علبة سمن» لا يمنحها منظمو هذه الدورات سوى لمن يدفع السعر، بدلًا من أن يشعر سيادته بواجبه الشرعى فى نشر الدعوة ابتغاء لمرضاة الله وليس وجه الحساب البنكى الذى فتحه لتلقى أموال الدورة.
الأزمة الكبرى فى هذا النوع من الدورات التى ربما ترى أنت، وهذا حقك، أن المقابل المالى لا يعيبها، أن عنوانها يشبه عناوين الأفلام التى تصنع خصيصًا من أجل إيرادات شباك التذاكر بغض النظر عن المضمون، كان الأولى بالسادة المنظمين أن ينشغلوا بتدريب الناس على كيفية الوصول إلى الحقيقة، إلى جوهر الدين ذاته، كان ينبغى عليهم أن يبذلوا جهدًا مع الدعاة والشيوخ لتطوير الخطاب الدينى، وليس مجرد ابتزاز للشباب والشخصيات البسيطة تحت شعار الدفاع عن الدين بتعليمهم آلية للرد على الملحدين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة