تدور فى بلدنا حوارات مهمة بشأن إعادة هيكلة الإعلام من النواحى التشريعية والتنظيمية، تنفيذا لما ورد فى الدستور بشأن إنشاء المجلس الأعلى للإعلام وهيئتين للصحافة والإعلام المرئى والمسموع، ولاشك أن بعض المتحاورين تحركهم أغراض ومصالح ذاتية، لأن ما يطرحونه من أفكار وصيغ لا يمكن أن تتفق مع المنطق أو العقل، وتتعارض مع كل تجارب التحول الديمقراطى فى العالم، وأعرض هنا بعض أفكارهم الغريبة!.
الفكرة الأولى: أن لكل بلد ظروفه، وبالتالى لا يمكن نقل تجارب دول وشعوب أخرى فى تنظيم الإعلام بعد ثورات ديمقراطية، وهذا كلام صحيح، لكنهم يرتبون عليه نتائج مريبة، مثل ضرورة الاستغناء عن قدر من حرية الإعلام، لأن الوطن فى محنة ويحارب الإرهاب، وخطورة هذا الكلام أنه لا أحد يعرف تماما ما هو القدر الذى يجب الاستغناء عنه من حرية الإعلام واستقلال الهيئات الثلاث المقترحة لتنظيم الإعلام، ولا أحد أيضا يعرف ما العلاقة بين الحد من حرية الإعلام والنجاح فى الحرب على الإرهاب. ثم علينا أن نتذكر النتائج الكارثية التى نجمت عن القيود التى فرضها بوش الابن على الحريات فى أمريكا تحت دعوى الحرب على الإرهاب. القصد أن حرية الإعلام ستدعم من الحرب على الإرهاب فى مصر، وأن إسكات الإعلام أو رقابته والحد من حريته يعنى أننا ننفذ أهداف الإرهابيين الذين يخافون من الحرية، ويريدون أن يفرضوا نمط حياتهم علينا، والذى يقوم على رفض التنوع والتعدد فى الآراء والتفكير النقدى.
الفكرة الثانية: أن أعضاء الهيئات التنظيمية الثلاث يمكن أن يعملوا فى الإعلام إلى جانب عضويتهم فى تلك الهيئات لضمان استمرار معرفتهم بأحوال الإعلام والإعلاميين، وهذا تبرير سطحى زائف، لأن ما سيحدث أن أعضاء هذه المجالس أو على الأقل بعضهم سيستغلون مواقعهم فى الحصول على مكاسب مادية وفرص نشر وظهور إعلامى أكبر من غيرهم، كذلك فإن كل تجارب تنظيمات الإعلام تمنع الجمع بين عضوية تلك التنظيمات واستمرار العمل فى الصحافة والإعلام لأنه ينطوى على تعارض مصالح.
الفكرة الثالثة: لا داعى للاستعجال فى عملية تحويل النظام الإعلامى من نظام سلطوى إلى نظام ديمقراطى، وأنه يمكن التدرج فى هذه العملية أو كما اقترح البعض الإعلان عن مرحلة انتقالية لعدة سنوات، نجرب فيها صيغا معتدلة ومتدرجة من التحول نحو إعلام الخدمة العامة والإعلام الديمقراطى التعددى، ومشكلة هذه الفكرة أنها تفتح الباب لتقييد حرية الإعلام وتؤمن بأن مصر عليها أن تعيش بعد ثورة 25 يناير فى مراحل انتقالية مستمرة ومتعاقبة!! وأذكر هنا أن البعض يصف المرحلة الحالية بأنها انتقالية لأننا نواجه الإرهاب، ويدعون إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية، وذلك على الرغم من أن لدينا خارطة طريق ورئيسا منتخبا ودستورا ينص على إجراءات واضحة وتنظيمات محددة تكفل إصلاح منظومة الإعلام، وتحويله إلى إعلام ديمقراطى، يقوم على إعلام خاص وإعلام خدمة عامة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن دول شرق أوربا تحولت من إعلام سلطوى لا يوجد فيه أى قدر من حرية الرأى أو الإعلام الخاص إلى إعلام ديمقراطى بدون مراحل انتقالية، بينما نحن فى مصر كان لدينا أيام مبارك إعلام خاص ومساحات معقولة لحرية الإعلام.
الفكرة الرابعة: وهى الأغرب، ومضمونها باختصار أننا فى حاجة إلى عودة وزارة الإعلام.. أعتقد أن الفكرة ليست فى حاجة إلى مناقشة أو رد، لأن القائلين بها ربما يطمعون فى أن يتولوا الوزارة!! بغض النظر عن أن كل الدول الديمقراطية فى العالم ليس بها وزارة للإعلام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة