تعمدت حضور فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته السادسة والثلاثين، إيمانا بأهمية المهرجان الذى ترسخ عبر أجيال من الآباء المبدعين الذين صنعوا مشواره، وأوصلوه لقمة المجد الفنى والثقافى وهو ماصنع قوة مصر الناعمة عبر أجيال رائدة فى مختلف الفنون والآداب، كنا روادا وعلمنا المنطقة بأسرها حروف الهجاء ودروس الإبداع، ثم انتكسنا مع انتكاسات السياسة، عندما أراد الحكام أن يتحول المبدع والمثقف لبوق لهم، ومنذ السبعينيات دخل معظم الفنانين والمثقفين حظيرة السلطة، ومن بقى منهم على مبادئه جذبه أمراء النفط، وشهدت مصر عصر البترودولار الذى اشترى الكثير من الأدباء والفنانين، ولم يفلت من هذه المفرمة إلا القليل، بعضهم فضل الهجرة إلى أوروبا ولم يعودوا إلا بعد مقتل السادات، وفى عهد مبارك نجح فاروق حسنى فى لعبة شد الحبل مع معظم المبدعين، ولهذا حديث يطول، وربما لاأذكر موقفا مشرفا لمثقف إلا الأديب صنع الله إبراهيم الذى رفض استلام جائزة الرواية معترضا على سياسة مبارك فى عز استبداده، وكان هذا أول موقف - حسب ذاكرتى - لمبدع حقيقى بعد مواقف سابقة فى عهد السادات لنجيب سرور، وأمل دنقل . ثم مرت فى النهر مياه كثيرة حتى جاءت ثورة يناير، وانقسم الفنانون بين مؤيد لمبارك وأقلية مع الثورة - بعضهم تحول مع سقوط مبارك - ثم جاءت ثورة 30 يونيو وكان الفنانون جميعا ضد مرسى نتيجة طبيعية لما عاشوه من ترويع، ودعاوى حسبة فى المحاكم، وخلال هذه الفترة تعرضت مصر لضربات قاسية ضد الفن والإبداع من الإخوان والسلفيين، طبعا تأثر مهرجان السينما الذى يعد واحدا من أهم خمسة مهرجانات فى العالم، وتم إلغاؤه العام الماضى لتصاعد موجة الإرهاب بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، وكان لابد أن يقام هذا العام بأى طريقة، لذلك يعد وجوده نجاحا يحسب لجابر عصفور ورئيسه الناقد الكبير سمير فريد.
طبعا حدثت أخطاء بالجملة فى حفلى الافتتاح والختام، فضلا على عدم وجود أسماء لامعة للنجوم العالميين، وكنت اتصور أن يتواجد نجومنا الشباب مع مهرجان بلدهم، كما يحضرون مهرجانات الخليج، أما المستفز فى حفل الختام، فهو مذيعة الحفل التى لاعلاقة لها ألبتة باللغة العربية، وكانت فضيحة نطقها للقاهرة على طريقة شويكار «انت الكلب الكبير» وليتها مانطقت حرفا لأنها كانت مثار سخرية الوفود العربية، ولا أعلم هل أحضروها من الدار للنار، أم أن هناك بروفة يجب أن تسبق المهرجان، خصوصا أن زميلها آسر ياسين تفادى أخطاء الافتتاح، وكان أكثر ثقة وتخلصا من ارتباكه الذى أربكنا نحن فى مقاعد المتفرجين، أما الجوائز فالملاحظ أن لجنة التحكيم أخرجت لسانها للجميع، بمنح جائزة أحسن ممثل لخالد أبوالنجا الذى هوجم بضراوة بعد كلمته الخايبة فى فيديو سجله فى الافتتاح، مدعيا فيه أن المهرجان ألغى وهاجم فيه الجيش والسيسى، ولم يسلم من الهجوم الضارى.. واتمنى أن يتعلم أن يركز فى التمثيل ولا يجرى وراء البرادعى صاحب مدرسة الخيانة العظمى، وطبعا حصول الفيلم الإيرانى على جائزة أحسن فيلم تأكيد على حيادية اللجنة، وبعدها عن ألاعيب السياسة، لأن الفن أكثر خلودا وصدقا، نتمنى أن يستفيد المهرجان القادم من أخطاء هذه الدورة، وأن يكون نجومنا أكثر وعيا بقوتهم، والالتفاف حول مهرجانات بلدهم، لأنها هى الأبقى مهما لمع بريق الدولار فى أيدى الآخرين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة