الأعياد شعيرة من شعائر الإسلام التى تحمل بداخلها الكثير من الحِكم العظيمة، كما أنها تعد مظهرًا من مظاهر الفرح والسرور فى الإسلام، فالإسلام جاء تلبية لحاجة الإنسان الفطرية والمادية والروحية، لذا جاءت أحكامه تضبط العلاقة بين الروح والجسد، والدنيا والآخرة، فقال تعالى: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا».
والاحتفال بالعيد هو الاحتفال بإتمام فريضة، سواء كانت الصوم فى عيد الفطر أو شعيرة الحج فى عيد الأضحى، ولم يقتصر الاحتفال بعيد الأضحى على من يؤدون شعيرة الحج، بل يشاركهم المسلمون جميعا فى كل بقاع الأرض الاحتفال بالتقرب إلى الله بالأضاحى إحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام مرورًا بكل الأنبياء، وختامًا بخاتم النبيين محمد، صلى الله عليه وسلم، واحتفالا بتوفيق الله تعالى لهم فى أداء الفرائض وشكرًا لله على القيام بها.
بل لا يقتصر الأمر على السرور فقط؛ بل بإدخال السرور على باقى المسلمين ليصبح البر قضية اجتماعية عامة، وليتحقق أمر النبى، صلى الله عليه وسلم، للأغنياء بإدخال السرور على الفقراء فى هذه الأيام وتجنيبهم مذلة المسألة فيقول: «أغنوهم فى هذا اليوم» وهذا فى يوم الفطر، أما فى يوم الأضحى فجاء أيضًا من باب إدخال السرور على الفقراء فى الأعياد، ليشاركوا الجميع فى الإطعام؛ لأن الإسلام حرص على إطعام الفقراء وإشباعهم فى هذا اليوم الذى أمرنا الله فيه بالتوسعة عليهم، إذًا العيد فى الإسلام يرتبط بالعطاء، ففى الفطر يعطى الإنسان زكاة الفطر، وفى عيد الأضحى يعطى الحاج هديًا، ليكون العيد تذكيرًا وتراحمًا وتكافلاً مع الفقراء والضعفاء والمحتاجين من الناس، وغير الحاج يعطى الأضحية.
والخطاب الدينى مطالب اليوم باستحداث أساليب جديدة لا تخالف الشرع لكنها تتفق ومتطلبات العصر الذى نعيش فيه الآن، أو بعبارة تواكب العصر فيما لا يصطدم مع الثوابت الإسلامية، وذلك بأن يقدم فلسفة جديدة عن العيد وكيفية تحقيق الفرح فيه على أن ينقل الناس من فكرة الفرح الفردى بالعيد إلى فكرة الفرح الجماعى وإدخال السرور على جميع أفراد المجتمع من أطفال ونساء وشباب.
ولا يفوت خطابنا الدينى وهو يفتش عن الجديد أن يعطى الناس العبر من سنِّ الأعياد فى الإسلام، وكيف كان لكلٍّ منها موقف عظيم علينا أن نتأسى به فى حياتنا، فهذا عيد الأضحى، الذى يجسد حادثة من أعظم الحوادث فى التاريخ، ويمثل أعظم امتحان يتعرض له الإنسان، هذا الامتحان الذى وصفه القرآن الكريم بالبلاء المبين فقال تعالى: «إن هذا لهو البلاء المبين»، فهو الامتحان الذى تعرض له أبونا إبراهيم عليه السلام، حين أمره الله تعالى بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، فقال تعالى: «فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين.فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين.إن هذا لهو البلاء المبين.وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه فى الآخرين».
فقد خلَّد الله تعالى هذا الحادث العظيم لما ينطوى عليه من تضحية من الأب فى سبيل الله، وانصياعًا من الابن لأبيه فى مشهد من الطاعة جسد أعظم حالات الامتثال والخضوع لطاعة الله تعالى، وطاعة الأب وذلك عندما يتعلق الأمر بالله تعالى، فيقول الابن: «يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين»، هذه الأعمال كلها اكتست بالتقوى والتجرد لله تعالى؛ فإقدام سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل على تنفيذ أمر الله لم يكن خوفًا من عقوبة صارمة منتظرة بل كان تسليمًا لأمر الله تعالى، ورضًا بقضائه، وهذا ما ينبغى أن تكون عليه أعمالنا خالصة مجردة لله تعالى.
وهذه أمور ينبغى أن يركز عليها خطابنا من التأكيد على الصبر على البلاء والرضا بقضاء الله تعالى، وأن الإنسان وما يملك من أموال وخلافه وما لديه من أبناء حتى هو نفسه كل ذلك ملك لله تعالى، وهذا كله يوجب على العبد أن يتصرف فى كل هذه الأشياء وفقًا لمرضاة الله تعالى، ولنا فى سيدنا إبراهيم عليه السلام المثل الأجل فى الفداء والتضحية والامتثال لأمر الله، بحيث أصبح فعله هذا يوم عيد تحتفل به الأمة الإسلامية كل عام. ووسط هذه الدروس والعبر لا بد لخطابنا الدينى أن يؤكد على أهمية إدخال السرور على النساء والأطفال على وجه الخصوص اقتداء بالنبى الأكرم صلى الله عليه وسلم، فقد دخل أبو بكر رضى الله عنه على عائشة رضى الله عنها وعندها جاريتان فى أيام منى تغنيان وتضربان الدف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجًّى بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله عن رأسه وقال: «دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم».
كما أن صلاة العيد تعد مظهرًا من مظاهر الفرحة، ترتفع الأصوات فيها بالتكبير فى بهجة وسرور بما أنعم الله على الأمة الإسلامية من توفيق فى أداء الفرائض، قال تعالى: «وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، ويسن التكبير فى عيد الأضحى من فجر يوم عرفة إلى غروب ثالث أيام التشريق، جماعة وفرادى فى البيوت والمساجد، إشعارًا بوحدة الأمة، وإظهارًا للعبودية، وامتثالاً وبيانًا لقوله سبحانه: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».
وتتعدد وجوه الفرح بالعيد، فهذا يميل إلى الذكر والعبادات، وثانٍ يؤثر مواساة الفقير والمحتاج بكثرة الصلات والعطف عليهم، وآخرون ينشرون بين عباد الله جوًّا من المحبة والوئام فى المجتمع بأطيب الكلمات وكل هذا محبب فى مثل تلكم الأيام المباركة، ونحن نقول للجميع كل عام أنتم ومصرنا وأمتنا العربية والإسلامية بخير ويمن وبركات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
بارك الله فيك وفى علمك يا دكتور شوقى وعيد سعيد دائما عليك وعلى كل المصريين - اللهم أمين
بدون