د. عمار على حسن

تشريح السلفيين.. أقوالهم وأفعالهم

الأربعاء، 01 أكتوبر 2014 11:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وهناك تقسيم على أساس الموقف من السلطة على النحو التالى:

سلفية موالية أو مستأنسة: وتقف على رأسها الجامية التى تنسب إلى الشيخ الراحل محمد أمان الله الجامى وهو رجل حبشـى، أقام فترة من عمره بالمملكة العربية السعودية مدرساً ثم أستاذاً فى جامعة المدينة المنورة، والتى تعد معقل الجامية بدرجة كبيرة، ولما توفى خلفه على رأس هذه الدعوة السعودى الشيخ ربيع بن هادى المدخلى، الذى كان فى الأصل مسؤولاً عن جماعة الإخوان بالمدينة المنورة ثم تحول إلى الجامية، التى وقفت فى موقفها إلى جانب السلطة إبان حرب الخليج عام 1991 فى الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير دولة الكويت، على النقيض من موقف كثير من شيوخ ما يسمى «التيار السلفى الإصلاحى».

وتقوم مبادئ «الجامية» أو «المدخلية»، التى هى مجرد أفكار انتشـرت فى دول عربية وإسلامية عدة وليست تنظيماً أو حركة موحدة، على طاعة الحاكم، ورفض الخروج عليه، ورفض مبدأ «الحاكمية»، والتمييز بين الفرق المذهبية القديمة مثل الخوارج والمعتزلة والرافضة وبين جماعات «الصحوة الإسلامية» الحديثة والمعاصرة. وتوجِّه الجامية انتقادات لما عداها من الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين والدعوات السلفية مثل «التبليغ والدعوة» و«السـرورية»، ويرد عليها أتباع هذه الجماعات والحركات بأنها «سلفية موالية للسلطة» أو مستأنسة، وأن شيوخها هم خوارج العلماء والدعاة ومرجئة الحكام العرب، وصنيعة الأجهزة الأمنية، وأنهم من الفرق القاديانية التى توالى العلمانية وأهل البدع، وتعطل الجهاد، وهى اتهامات يرفضها الجاميون أو المدخليون تماماً، بل إنهم يعتبرون نسبهم إلى الجامى «غمز ولمز وتنابز بالألقاب»، ويصفون أنفسهم بأنهم الأتباع الحقيقيون لمسار محمد بن عبدالوهاب، ويؤكدون أنهم لم يعطّلوا الجهاد إنما يرونه تهلكة، فى ظل خلل ميزان القوة العسكرية بين المسلمين وأعدائهم.

سلفية معارضة: وتقف «السـرورية» على رأس هذا النوع من السلفية، وهى منسوبة إلى مؤسسها الشيخ محمد سرور زين العابدين، الذى يعود مسقط رأسه إلى حوران بسوريا، وكان منتمياً إلى جماعة الإخوان، ثم انشق عليها. وقد عمل سـرور فى مطلع حياته ضابطاً بالجيش ثم ضابط استخبارات، وتعاقد مع المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود لتدريس الرياضيات، وعمل فى الأحساء والقصيم فدَرَّس فى المعهد العلمى ببريدة، معقل السلفية الدعوية بالسعودية، وجذب حوله شباناً ينتمون إلى جنسيات عربية وإسلامية عدة ممن راق لهم خطابه الثورى، المتراوح بين دعوية السلفية وحركية الإخوان، والذى بدا مغايراً لما يقوله شيوخ السلفية، ومعتمداً فى مرجعيته على عقيدة التوحيد وكتابات سيد قطب ومحمد قطب، لذا بدت السرورية رؤية واقعة بين فكرى ابن تيمية وسيد قطب، حيث أخذت من الأول موقفه الصارم من أتباع الفرق والمذاهب المخالفة لـ«أهل السنة والجماعة»، ومن الثانى ثوريته ودعوته إلى «الحاكمية»، ورفضه مبدأ السمع والطاعة للحاكم، لترفع شعار «سلفية المنهج، عصـرية المواجهة»، وتُعلى من مبدأ الحركة ضد السكون.

وتتعرض السـرورية، التى بدأ نجمها فى الأفول، لانتقادات لاذعة من جماعة الإخوان، التى تتهمها بأنها أهدرت طاقة العمل الإسلامى، فيما يراها السلفيون الدعويون انزلاقاً جديداً نحو تسييس الدين، وقد وصف ناصـر الألبانى أتباعها بأنهم خوارج العصـر إلا قليلاً.

فى خاتمة المطاف، هذه التقسيمات، أو تلك الخريطة، ليست جامدة؛ فالتيار السلفى فى صيرورة دائمة حتى لو كانت بطيئة، إما أنها ناجمة عن الانقسام والتشظى لأسباب سياسية وفقهية، أو نابعة من تفكير مناقض لما هو سائد فى النص والتاريخ. كما أن هذه التقسيمات قابلة للاندماج فى مسارات أخرى تتوزع السلفية عليها ليس بإغواء النفس وهواها، إنما بحكم إمعان النظر فى الرؤى المطروحة، والتصـرفات والتدابير المتداولة. ولهذا ليس من قبيل المبالغة ولا المخاتلة ولا التجنى أن نقول إن السلفية سلفيات، وعلى الجميع أن يدركها على هذا النحو، مهما ادعى بعض أتباعها بأنهم كالبنيان المرصوص.
إمكانية تغير خطاب وممارسات التيار السلفى
من يطالع أبجديات التيار السلفى ومساراته قد يستقر فى يقينه أن «الإصلاح الدينى» بات أمراً ضـرورياً كى يكون مستقبل العرب والمسلمين مختلفاً. فكثير من المشكلات التى تعترض طريق التقدم، والأزمات التى تنشب بين حين وآخر، سياسية كانت أو فكرية، سببها أنه يوجد طيلة الوقت من يستدعى الماضـى إلى الحاضـر، ليس للاستفادة واتخاذ العبر أو تلمس طريق الأصالة إنما لإزاحة الراهن تماماً، وكأنه دنس ورجس ومتخلف ومتوقف، لحساب ما جرى فى القرون الغابرة باعتباره بالضـرورة مقدساً وطهوراً ومتقدماً ومنطَلقاً، وهذا التصور يغفل تماماً أن للقدماء أخطاءهم الشديدة، التى سجلها المؤرخون الثقات.
و«الإصلاح الدينى» فى هذا المقام لا يعنى بالطبع تعديل الدين ولا تبديله، لكنه يعنى إعادة التفكير فى الأنماط الفاسدة من «التدين» التى تحوّل الدين إلى أيديولوجيا أو فلكلور أو تجارة أو عُصاب نفسـى أو أساطير، وتغربل فى الوقت نفسه الكثير من «علوم الدين» التى تستعين، اقتباساً واقتطافاً وإحالة واستعادة، لكتب السابقين من الفقهاء أو الرواة، وإضفاء قداسة عليها.

وبالنسبة للتيار السلفى فإنه لن يطور أفكاره وتصوراته إلا إذا نظر بجدية وتجرد وعلمية فى أمور أربعة، هى:

وضع حد فاصل بين الوحى والتاريخ؛ فالأول أصل يُبنى عليه، والثانى تجربة يمكن الاعتبار بها، دون أن تكون قاعدة للقياس أو معياراً للحكم على الأفعال والتصرفات والآراء اللاحقة، ودون أن تمنح أى قدر من القداسة لأى سبب أو ذريعة.

وضع حد فاصل بين النص والخطاب، أى بين القرآن كنص محكم نهائى واحد، وبين أى من الروايات المتعددة القابلة للمراجعة والغربلة أو الآراء الفقهية التى هى إنتاج بشـرى تجب مراجعته ونقده باستمرار.
وضع حد فاصل بين المبادئ أو القيم العامة والأساسية التى حددها الإسلام وبين وسائل التجسيد الاجتماعى والتاريخى لها، بحيث يصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام تجديد الوسائل من دون جور على المبادئ أو تحريف لها، ولا يتم الاقتصار على وسائل ثابتة والتجمد عندها، فبعضها إن كان قد ثبت جدواه فى الماضـى، وأفلح فى الوصول إلى الأهداف والغايات المرجوة، فقد لا يكون صالحاً لزماننا هذا.
وضع حد فاصل بين مكانة الرموز الدينية التاريخية، حتى لو كانوا من الصحابة، وبين قدسية المبادئ التى أقرها الإسلام. فالشخص يستمد مكانته من الالتزام بالمبدأ والعمل على خدمته، فإن انحرف عن هذا فقدَ مكانته. والإسلام لا يجعل لشخص حجة عليه، إنما هو حجة على الجميع. والرجال يُعرفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال.

ومن حيث المبدأ يتحدث السلفيون بطريقة تبين أنهم لا يخاصمون هذه الحدود الأربعة تماماً، وأنهم حريصون على البحث عن «النابع» أو الأصل وليس «الوافد» أو الدخيل، لكنهم حين يشرعون فى ترجمة هذا التصور فى خطاب، أو محاولة تطبيقه فى الواقع المعيش، يقعون فى أخطاء فادحة، سواء من حيث خلط «الإلهى» بـ«البشرى» وتماهى «النص» مع «الخطاب»، وإنكار اختلاف السياق الاجتماعى بما فيه من مشكلات وتحديات عن تلك التى واجهها الأقدمون.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة