كأن الأقدار وضعتنى بطريق جماعة «الإخوان المسلمين»، فمنذ بداية تشكل وعيى كنت مُغرمًا باليسار، لهذا أجبرتنى أسرتى على الالتحاق بكلية الشرطة خشية الذهاب بعيدًا صوب اليسار، الذى كان حينها مستهدفًا أمنيًا، أما قصتى مع الإخوان فبدأت وانتهت بسبب فيروز، التى كنت ولم أزل أهيم بصوتها الملائكى، مراهق نشأ حافظًا للقرآن الكريم بفضل الله تعالى، ثم جهود جدى الأزهرى يرحمه الله، الذى كان قاضيًا شرعيًا وتقاعد فراح يُحفظنى الذكر الحكيم وقواعد التلاوة حتى أنجز مهمته، بينما أصبحت من أوائل المحافظة والتحقت بمدرسة المتفوقين الثانوية، وهى مدرسة داخلية. كنت أتردد على مسجد قريب لأداء الصلوات جماعة، وبين المغرب والعشاء نستمع لدرس من الإمام الذى اكتشفنا لاحقًا أنه عضو بجماعة الإخوان، وذات مرة وبخنى لأنه علم أننى استمع للغناء، ورحنا نتجادل حول «مسألة المعازف»، وانتهى الأمر بانقطاعى عن هذا المسجد وانتقالى لآخر. بين الحين والآخر كان يأتى زملاؤنا من خريجى المدرسة الذين يكبروننا بعشر سنوات وأكثر، ليلتقوا بنا، وهناك شخصان لا أنساهما، هما: محمد الجوادى، وأيمن الظواهرى، وبالطبع كانا طرفى نقيض، فالأول يتبنى فكرًا ليبراليًا، بينما عرف الثانى طريقه للجماعات الإسلامية التى كانت مزدهرة حينذاك، وتمكن بالفعل من استقطاب بعض زملائنا، لكنه فشل مع القاعدة العريضة التى امتنعت عن لقائه، وبعدها عرفنا باعتقاله.
يتمتع الجوادى بموهبة السرد، وكان حينها يُناصب الإسلام السياسى العداء، ويسخر من أدبياته التى كانت توزع علينا فى كتيبات ومطويات أمام المساجد، ونترقب زيارة الجوادى ليفندها، ويصفها بالفاشية الدينية رغم ازدهارها حينذاك بأوساط الطلبة، وكثيرًا ما دارت مناقشات حول هذا الفصيل الذى كان يرعاه نظام السادات، وكان الجوادى يكيل الاتهامات لنظام يستخدم هؤلاء لضرب خصومه من اليساريين والناصريين والليبراليين، جرت فى النيل مياه كثيرة، وسُجن الظواهرى وخرج ليرحل للسعودية ومنها لأفغانستان، بينما استكمل الجوادى دراسته العليا ليصبح أستاذًا بكلية الطب، وكثيرًا ما التقيته خلال فعاليات، أو زياراته لصحيفة الأهرام التى التحقت للعمل بها عقب استقالتى من الشرطة.
الآن أشاهد عبر شاشة «الجزيرة» الجوادى «الليبرالى» يدافع بشراسة تتجاوز قدرات الظواهرى المتواضعة فى التعبير، عما كان يعتبره «فاشية دينية» فأكاد أُنكر ما أشاهده وأسمعه، حتى سألته عبر موقع التواصل «تويتر» عن سر هذا التحول الجذرى، فإذا به يرد بمنطق «الإخوان» وحتى بمفرداتهم، لدرجة أننى كتبت له أننى تلقيت فيه العزاء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة