(يوجد كنز فى مصر الجديدة.. رجاء اذهب وتحصل عليه قبل فوات الآوان.. إنه كنز فنى تاريخى نادر).هذا ما دار فى خاطرى حين خرجت من بيت صاروخان رائد فن الكاريكاتير فى مصر، فقد اعترانى العجب حين فوجئت بأن ابنته مازالت تعيش بيننا مع زوجها فى البيت نفسه الذى عاش ورسم ومات فيه أبوها (الابنة سيتا 80 عامًا وزوجها يعقوب 85 سنة أدام الله عمرهما)، حيث تلقيت اتصالا من زوجها يدعونى فيه إلى زيارة منزله لأشاهد بعينى عشرات اللوحات الكاريكاتورية البديعة التى رسمها صاروخان، وذلك بعد أن نشرنا موضوعًا مطولا عن حياة هذا الرسام الفذ فى عدد 3 يناير الجارى.
لمن لا يعرف، فصاروخان فنان أرمنى ولد فى شمال تركيا عام 1898، وجاء إلى مصر عام 1924 واستقر بها وأصبح الرسام الأول لمجلتى روز اليوسف، ثم آخر ساعة، وأخيرًا انتقل إلى العمل فى جريدة أخبار اليوم عام 1946 وظل بها حتى رحيله عن دنيانا فى الأول من يناير عام 1977 (طالع اللقاء الذى أجريناه مع أسرته والمنشور اليوم فى عطر الأحباب).
أعرف تمامًا أن الدكتور محمد صابر عرب رجل يقدر الفن، وأدرك أيضا أنه يعشق التاريخ، فهو مؤرخ ذو باع طويل، والكنز المخبوء فى مصر الجديدة ينطوى على الحسنين.. فهو يمثل تراثا فنيًا جميلا يستحق الحفاظ عليه وإتاحة مشاهدته لعموم المصريين والأجانب من ناحية، وهو أيضا تسجيل تاريخى بالخط واللون للحياة المصرية العريضة بحلوها ومُرّها فى نصف قرن من ناحية أخرى.
اللافت للانتباه أن صاروخان لم يغادر صغيرة ولا كبيرة حدثت فى مصر إلا أحصاها فنيًا وكاريكاتوريًا، فقد شاهدنا لوحات تعبر عن حال المصريين وموقفهم من حكومات محمد محمود وإسماعيل صدقى ومصطفى النحاس والحرب العالمية الثانية قبل ثورة يوليو 1952، كما استمتعنا برسوم تتناول أحداث الثورة وتأميم القناة وبناء السد العالى وحرب فلسطين والدور الأمريكى وخبث إسرائيل ووفاة عبد الناصر إلى آخره، علاوة على ملاحظاته الكاريكاتورية المدهشة حين يتصدى لرصد الحالة الاجتماعية للمصريين ومشكلاتهم اليومية وصراعاتهم مع الزمن والظلم ومطاردتهم للأمل المراوغ طوال خمسين سنة!
أرجو ألا تظن أن صاروخان كان صاحب أفكار جريئة وخيال خصيب فحسب، إذ امتلك الرجل أيضًا مهارة ناصعة فى الرسم والتلوين والتصميم، لذا بدت لوحاته متينة البناء مزوّدة بنفحة فنية خالصة وممتعة.
إن حياة صاروخان وإبداعه يعبران بامتياز عن عبقرية مصر وشعبها وقدرتها الخارقة على امتصاص الآخرين ودمجهم فى نسيجها الغنى والمتنوع، لذا لاعجب ولا غرابة أن يمنح جمال عبد الناصر الجنسية المصرية إلى صاروخان، فقد صار الرجل ابن بلد بامتياز، فهل ستسرع يا معالى وزير الثقافة للحصول على الكنز النادر فى مصر الجديدة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة