العلبة دى فيها إيه؟
-فيها خاتم
(طراااااااخ)
صوت الصفعة يدوى بعد أن هوت يد توفيق الدِّقِن الثقيلة على قفا عبد المنعم إبراهيم، ثم كرر الدِّقِن سؤاله من جديد: العلبة دى فيها إيه؟؟ بصوت باكٍ متهدج يرد عبد المنعم مرة أخرى: خاتم خاتم.. تدوى الـ(طراااااخ) من جديد ومعها هذه المرة صوت توفيق الدقن يلقنه الإجابة التى يريدها.
- لا.. العلبة دى فيها فيل
فيل؟! طب إزاى؟! كيف لتلك العلبة المخملية الصغيرة التى هى بالكاد تكفى خاتما بفص متوسط الحجم أن تسعى فيلا؟! مش مهم، المهم أن هذه هى إرادة توفيق الدِّقِن صاحب الصوت العالى والكف الثقيل، خلاص يبقى فيها فيل، فيها إيه؟!! فيل فيل بزلومة فيييييييل.. هذا المشهد القصير من فيلم طاقية الإخفاء يمثل ببساطة مناط الخطورة الأهم فى رأيى لتلك القضية التى كالعادة لم أشأ أن أعلق عليها أثناء فورانها وموجة المزاح والنكات التى أطلقت أثناءها، قضية الإشارات التفجيرية لإعلان أبلة فاهيتا الإرهابية، تلك القضية التى لا أعرف إلى أين وصلت التحقيقات فيها ولا يهمنى أن أعرف، ما يهمنى فى الحقيقة هو تأمل مآلات تلك القضية ومثيلاتها، مآلات القهر الفكرى والمعنوى الذى يجعلك تضطر لأن تناقش البديهيات الحمقاء مع البعض بل وأن يضطرك أولئك البعض إلى أن تقول مقهورا كما قال عبد المنعم إبراهيم: العلبة فيها فيل.
وكثير من المحللين الجادين حاولوا تجاوز موجة الهزار (المنطقية) لتلك القضية (اللامنطقية) وكتبوا تحليلات واحتمالات عن كون تلك القضية لها علاقة بتوقيتها المتزامن مع تسريبات المكالمات للنشطاء وبعضهم هون من الأمر واعتبره طرفة عابرة، ومنهم قدم سوء الظن وأشار إلى احتمالية التنافسيات التجارية أو حتى الدعاية العكسية، والبعض اكتفوا بالضحك وحق لهم أن يضحكوا على هذه المهزلة ويعتبروها وسيلة للـ"قلش" كما بالمصطلح الشبابى الدارج، واعتبروها مزيدا من هزلية المشهد التى تخيم على الأجواء فى مصر منذ سنوات.
لكن كل تلك التحليلات والمزحات لا تعنينى قدر ما يعنينى مناقشة الأثر واستقراء آلية فرض تلك المفردات على المشهد (بالعافية) حتى تصبح بعد حين جزءا طبيعيا منه كما صار غيرها من العجائب التى كنا لا نتصور أبدا أن الهزار فيها ممكن يقلب بجد.
مع الإصرار على غرس تلك المفردات والمفاهيم الهزلية يعجز أى منطق عن الاستمرار مع هذا المستوى، وحينئذ يفقد البعض الأمل وتصير مهمة المصلحين والمهتمين بغرس الوعى أكثر صعوبة، فماذا ستفعل فى خضم هذا التسطيح الإجبارى؟ ماذا ستفعل وأنت تشاهد برامج جادة تستضيف دمية أو عروسة لشخصية هزلية ويحدث حوار معها على (التليفزيون) يهددها فيه بالسجن شخص صار من نجوم المرحلة فترد عليه الدمية بكلمتها المشهورة: يا سوسو ! كيف ستواجه من سيعتقد بعد ذلك أن اسمك فيه إشارة ماسونية ونظارتك تحوى جهاز تجسس كونى وقلمك يرسل إشارات للعوالم الموازية التى تتآمر على أرضنا الطيبة، إنه ليس غرسا للتسطيح والبلاهة وحسب.. إنه غرس لليأس، بل غرس للغضب والتقزز من هذا الدرك الذى نصر على حفر طريقنا إليه.. لن أقول بجزم تحليلى قاطع كعادة من أنتقدهم أن تلك هى حقيقة المؤامرة الكونية حول قضية أبلة فاهيتا الإرهابية ومثيلاتها، ولكننى سأقول إن هذا هو الأثر الأخطر والمآل الأبشع لهذه النوعية من القضايا الإعلامية.. حين تستسلم العقول لهذه البلطجة الفكرية خوفا من سيف التخوين والرمى بالتهم المعلبة حتى تصير فى النهاية فاهيتا جاسوسة إرهابية وتصير العلبة فيها فيل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى فكرى
حضرتك وحشتنا
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى فكرى
حضرتك وحشتنا