الجهاز المناعى لديه قدرة عجيبة يستطيع من خلالها أن يفرق بين "العدو"، و"الحبيب"، ففى الوقت الذى لا يهاجم أى عضو من أعضاء الجسم، نجده يهاجم أى جسم غريب مهما كان حجمه أو تكوينه إذا تجرأ ودخل إلى حصن الجهاز المناعى العتيد.
والسر فى ذلك يكمن فى "كلمة سر الليل"، أو البصمة الجينية الموجودة فى تكوين كل خلية من خلايا الجسم، والتى يطلب الجهاز المناعى إبرازها فى حالة نشاطه وهجومه، فإذا أفلحت الخلية أو العضو فى إبراز بطاقتها أو هويتها الجينية أو كما نطلق عليها "كلمة سر الليل"، فإن الجهاز المناعى يعرف من خلال ذلك أن هذا العضو أو هذه الخلية من الأصدقاء الذين لا ينبغى مهاجمتهم، أما إذا فشل العضو أو الخلية فى إبراز " كلمة سر الليل " فإن الجهاز المناعى يعامله معاملة الأعداء ويهاجمه ويدمره، مما يؤدى إلى مضاعفات خطيرة فى الجسم قد تؤدى فى النهاية إلى الموت .
وقد يحدث هذا الخلل فى عضو أو أكثر من أعضاء الجسم، مما يتسبب فى حدوث مرض أو مجموعة من الأمراض سميت بأمراض، " المناعة الذاتية " Autoimmune Diseases، فإذا هاجم الجهاز المناعى المادة البيضاء فى المخ والنخاع الشوكى، وهى المادة المكونة للغلاف الميلينى المحيط بأعصاب الجسم كله فإن ذلك يتسبب فى حدوث شلل فى كل أو بعض أعصاب المخ والجسم، وهو ما يعرف بمرض Multiple Sclerosisأو اختصارا M.S.، وإذا هاجمت خلايا الجهاز المناعى خلايا جزر لانجرهانز فى البنكرياس فانها تدمرها، وبالتالى تعجز عن إفراز الانسولين اللازم لحرق الجلوكوز مما يتسبب فى إصابة الشخص بالسكر، ويحدث هذا غالبا مع حالات السكر المعتمد على الأنسولين أو النوع الأول، وهو الذى يصاب به الأطفال والشباب .
وقد يأتى هجوم الجهاز المناعى على مكان اتصال الأعصاب بالعضلات، مما يسبب ارتخاء العضلات فى الجسم كله وهو ما يعرف بمرض Myasthenia Gravis ، وقد يأتى أيضا فى الغدة الدرقية فيتسبب فى افراز كميات كبيرة من هرمون، "الثيروكسين" السام فيما يسمى Grave’s Disease الذى يؤثر على سائر أعضاء الجسم، أما إذا حدث الهجوم على البروتين المبطن للمفاصل فإن ذلك يؤدى الى حدوث التهابات الروماتويد التى قد تشمل بعض أعضاء الجسم الأخرى مثل الجلد والكبد والكلى والطحال مثلما يحدث فى حالات الذئبة الحمراء.
وقد يحدث هذا الهجوم على صمامات القلب أو الكلى كما فى حالات الحمى الروماتيزمية ويسبب مضاعفات خطيرة.
وإذا حدث وهاجم الجهاز المناعى الجلد فقد يسبب ذلك مرض "الصدفية"، وأحيانا مرض "ذو الفقاعة" Pimphigus. ولعلنا نتعجب إذا علمنا أن 5 % من البالغين فى أوروبا وأمريكا الشمالية مصابون بأحد أمراض المناعة الذاتية الذى تحدثنا عن بعضها سابقا، وثلث هذا العدد من النساء الذين تكثر عندهم هذه الأمراض، وربما كان عندهم أكثر من مرض فى آن واحد وفى أكثر من عضو من أعضاء الجسم.
وكذلك فإن معظم أمراض المناعة الذاتية تتسبب ربما لأسباب مباشرة أو غير مباشرة فى الإصابة بتصلب الشرايين الذى يتسبب فى نصف حالات الوفاة فى العالم الغربى.
وهكذا يتبين أن فهمنا لأمراض المناعة الذاتية وكيفية حدوثها ومحاولة منع حدوثها انما يمثل خطوة ضخمة فى مجال الطب وعلاج الكثير من الأمراض التى استعصت على العلاج حتى الآن، وهناك الآن محاولات للعلاج من خلال العلاج البيولوجى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة