الوطن هو الأقوى والأقدر والأبقى، ولا وطن بدون شعب، والشعب هو المعلم والقائد والملهم وصاحب السلطة، وإذا كانت مصر هى هبة النيل، فالأصح أنها هبة المصريين، ولذا نرى الجميع بكل تناقضاتهم واختلافهم يتمسحون فى الشعب ويزعمون أنهم من يتحدث باسمه ويسعى لمصحلته، ودائما وعلى مدى التاريخ الشعب المصرى صاحب المبادأة، وإذا كانت العلوم والنظريات السياسية هى بنت الواقع، ونتاج الممارسة فإن ما تم فى مصر منذ 25 يناير مرورا بـ30-6، 3-7، 26-7 وحتى الآن سيكون المادة التى ستثرى الفكر السياسى العالمى، لأن ما تم يؤكد أن إرادة الشعوب هى الأهم والأبقى وهى التى يجب التوقف أمامها واحترامها وترجمتها على أرض الواقع، حيث إن هذا هو جوهر الديمقراطية والشرعية التى تلوكها الألسن هذه الأيام، فالشعب المصرى بهباته الثورية وغير المسبوقة هو ملهم هذه الهبات ومنفذها وحارسها بعيدا عن أى تنظيمات ثورية أو وصاية سياسية، وكونه قد أسقط نظام مبارك بعد أكثر من ثلاثين عاما كان فيها الشعب مغيبا عن المشاركة الحقيقية فى اتخاذ القرار، وبعد أن أسقط مرسى وحكم الإخوان، فهذا يجعلنا نتوقف ونفكر وندرس ونستخلص الدروس والنتائج التى أحدثها هذا البركان الثورى الرائع، وأول هذه النتائج أن الشعب هو السيد وهو صاحب السلطة الحقيقى، فالتفويض يسقط بوجود المفوض، والشعب أسقط التفويض لأى من كان، وقد أصبح هو صاحب القرار، وعندما يتكلم الشعب على الجميع أن يصمت، فلم يعد الشعب المصرى هو الخانع والخاضع والذى يصبر ولا يثور، فهل شاهدنا قبل ذلك من يثور لأربع مرات فى سنتين ونصف؟ ثانى هذه النتائج نعم الشعب المصرى هو من أوجد الدين قبل أن تنزل الأديان، وهو من يسعى ويعلم قيمة الدين والتدين، ولذا فاللعب بالعواصف الدينية وتأجيجها هو لعبة دائما ما تخيل على المصريين، ولكن التجربة السابقة قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب متدين ويحترم من يتحدث باسم الدين، ويمكن أن يثق فيه عند استغلاله الدينى لصالح السياسى، ولكن يفصل تماما بين الدينى والسياسى، فجاء بالإخوان تحت شعار الدين، ولكن عندما فشل الإخوان فى السياسة والحكم، عندما عجزوا عن حل مشاكل الجماهير التى تحتاج المسكن والمأكل والملبس والعلاج والعمل والأمن والأمان، خاصة أن الدين هو من يهتم كل الاهتمام بالإنسان وحياته ومتطلباته التى تحفظ روحه، حيث إن الإنسان هو معجزة الله فى هذا الكون، هنا أثبت الشعب أنه متدين ومؤمن ولا يحتاج من يعلمه دينه، فالإسلام محفوظ فى مصر بواقع المسلمين وبقناعة الواقع لغير المسلمين، ولذا خرجوا يرفضون من يتحدثون باسم الدين، ويخلطون بينه وبين السياسة، فالدين يكون دافعا ومحفزا للنجاح وحل مشاكل البشر، بما يعنى أن خلط الدين بالسياسة لا يعنى الفشل السياسى لأن الدين أكبر وأهم وأبقى من السياسة، ثالث هذه النتائج، أن مصر لا ولن يستطيع أن يحكمها فصيل سياسى واحد خاصة فى ظل هذه المرحلة الاستثنائية، فهل نعى تلك النتائج جيدا حتى نتشارك فى حكم مصر بناء على تلك النتائج والمعطيات التى رشحها المصريون بأنفسهم والتى بغيرها لن يستطيع أحد أن يفرض إرادته على هذا الشعب العظيم، فكفى مراوغة وسعيا لتحقيق مصالح خاصة على حساب الوطن، والوطن أهم والشعب شب عن الطوق ولا وصاية لأحد عليه، وحتى تظل مصر لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة