الصمت الروسى تجاه تطور الأحداث فى مصر منذ الثلاثين من يونيو الماضى حتى الآن، على ما يبدو رغم أنه صمت واضح إلا أنه مسموع وله صدى كبير، ليس فقط على الساحة الداخلية فى مصر التى نشاهد فيها صور الرئيس الروسى بوتين ترفع بجوار صورة وزير الدفاع المصرى "عبد الفتاح السيسى" صاحب الشعبية الكبيرة الآن فى مصر والخارج، وليس فقط فى العديد من التصريحات "المختلقة" والغير حقيقية التى ينسبها المصريون للرئيس بوتين ويتداولونها فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، والتى رغم أنها غير حقيقية، إلا أنها ترضى بوتين والروس كثيرا، خاصة بعد الإهانات الحادة التى لقتها روسيا فى الشارع السورى بسبب موقفها ضد التدخل الأجنبى وتفتيت الدولة السورية، والذى يعتبره البعض دعما لنظام بشار الأسد.
الصمت الروسى فى مصر مسموع أيضا وبشكل كبير فى الدوائر الغربية، خاصة فى واشنطن، حيث إنهم هناك يعلمون جيدا أن صمت موسكو ليس مجرد موقف سلبى أو عدم اهتمام من قبل روسيا بمصر وما يجرى فيها، بل أنهم على يقين من أن روسيا تراقب عن كثب وباهتمام بالغ ما يحدث فى مصر، بل وربما يكون اهتمامها به أكثر من اهتمامها حاليا بالشأن السورى، لكنهم فى الغرب يرون أن روسيا صاحبة هذا الاستدعاء الشعبى الكبير على الساحة المصرية ليست بحاجة الآن للتدخل فى الأزمة فى مصر، لأنها لو تدخلت فسيكون عليها أن تتدخل بقوة على نفس مستوى استدعاء الشعب المصرى لها، وهو الأمر الذى سيستنزف جهودها مبكرا وسيعرضها لمشاكل وصدامات مع واشنطن والغرب، وربما مع جهات أخرى.
روسيا تعى جيدا مدى أهمية مصر ومكانتها الإقليمية والعالمية، وتعى جيدا جدا مدى أهمية مصر بالنسبة لواشنطن التى بذلت جهودا غير عادية على مدى أكثر من أربعة عقود مضت، منذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، من أجل فرض نفوذها وهيمنتها على مصر، كما تعى موسكو جيدا مدى صدمة الأمريكيين فى مصر، ليس فقط بسبب سقوط تنظيم الإخوان المسلمين، بل أيضا صدمتها فى الجيش المصرى التى كانت واشنطن ترعاه على مدى ثلاثة عقود مضت وتخصص له معونات مالية سنوية بلغت جملتها حتى الآن ما يقرب من خمسين مليار دولار.
لا شك أن تصاعد الأحداث فى مصر يثير قلقا شديدا لدى موسكو، خاصة ما يحدث فى شبه جزيرة سيناء، والظهور القوى للجماعات المتطرفة المسلحة التى يخوض معها الجيش المصرى حربا قوية هناك، وربما يكون هذا هو خلفية التصريح الوحيد الذى صدر بالفعل عن الرئيس الروسى بوتين فى الشأن المصرى طيلة الشهر الماضى، والذى قال فيه إنه يخشى من أن تنجر مصر لحرب أهلية على غرار ما يحدث فى سوريا.
لا شك أن الجيش المصرى لديه من الإمكانيات والقوة ما يستطيع به مواجهة هذه الجماعات المتطرفة فى سيناء وداخل مصر، ولكن المشكلة الملحوظة الآن فى مصر هى كثافة الضغوط الخارجية على الحكومة المصرية وعلى قيادات الجيش المصرى، الأمر الذى استدعى من وزير الدفاع المصرى أن يطلب من الملايين من المصريين أن ينزلوا للشارع لتأييده، معتبرا أن هذا النزول سيكون بمثابة التفويض له، وإن كان فى الحقيقة أن الجيش المصرى وقياداته بحاجة للدعم الشعبى المصرى فى مواجهة الضغوط الخارجية.
والسؤال هنا، ماذا لو تصاعدت الأحداث فى مصر بالشكل الذى قد تتحول معه الضغوط الخارجية إلى تهديدات بالتدخل؟
هذا السيناريو غير مستبعد فى حالة تصاعد الأحداث فى سيناء وفى داخل مصر وفى حالة سقوط ضحايا بأعداد كبيرة، وربما يكون هذا هو هدف جماعة الإخوان المسلمين لدفع الغرب للتدخل بالقوة فى الشأن المصرى، وحينذاك لا نعتقد بأن الموقف الروسى سيظل على صمته وسلبيته، بل ربما نفاجأ بتدخل روسى قوى وحاد، وسيكون بالقطع أقوى من تدخل روسيا فى الأزمة السورية، لأن الموقف فى مصر أكبر وأكثر أهمية، بل أن حسمه سيكون له أكبر التداعيات على الأزمة السورية، ناهيك عن أن روسيا من أكبر المتضررين من الإسلام السياسى، وأن جماعة الإخوان المصرية مدرجة فى قائمة المنظمات الإرهابية بحكم المحكمة العليا فى روسيا.
روسيا لن تسمح بانهيار مصر، وصمتها الآن أكبر دليل على قلقها واهتمامها البالغ، ويذكرنا بالصمت الروسى إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، والذى انفجر فجأة بالإنذار السوفيتى الذى حسم الحرب لصالح مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة