مرة أخرى، شكرًا للمحنة التى تشهدها مصر، فقد فضحت حقيقة البعض ممن اصطلح على وصفهم بالنشطاء، وهى استعارة مستلهمة من الغرب الذى درّب وأنفق على هؤلاء عبر المنظمات الأهلية التى استخدمها رعاة مشروع إعادة رسم خرائط المنطقة كحصان طروادة لتشكيل مجموعات شبابية تجمعها سمات مشتركة أبرزها ضحالة الوعى السياسى لشيطنة مؤسسات الدولة، مقابل تمويل هذه المنظمات، هناك بالطبع منظمات حقوقية محترمة تاريخها مشرف كالمنظمة المصرية، ومبادرة الحقوق الشخصية وغيرهما، لكنى أتحدث عن كيانات مشبوهة لا تمارس أنشطة جادة، بل ترتب أوراقها بخبرات محامين محترفين بهذا المضمار، وهى خلطة بسيطة تبدأ باستئجار شقة ولافتة وتنظيم ندوات لا يحضرها سوى عشرة أشخاص، وفعاليات شكلية بالعشوائيات والقرى الفقيرة.
كنا فى عهد مبارك نسخر مما تقوله السلطات عن هذه المنظمات، ونعتبرها حملات تشويه لشباب يسعى لبناء مجتمع مدنى، بعيدًا عن سطوة الدولة البوليسية الشمولية، لكن ما حدث بعد ثورة 25 يناير، وموجة 30 يونيو التى استردت مكتسباتها من لصوص الثورات، جعلتنا نراجع هذه الكيانات لندقق فى حقيقتها.
الشاب «س» عرفته منذ خمس سنوات كان ريفيًا فقيرًا يأتى يوميًا من قريته بمظهر متواضع للغاية وفكر سياسى أكثر تواضعًا، لكنه سرعان ما انخرط فى لعبة المنظمات، خاصة تلك التى يرعاها بعض اليساريين الراديكاليين، واستخدموه للمهام الميدانية الشاقة التى تتطلب الذهاب للعشوائيات والقرى، لكن الخطير الآن هو سعيهم للتربح بمساندة الإسلام السياسى، فلم يتصرفوا بوعى ونبل اليساريين فى السبعينيات، ممن تعبوا لبناء ثقافتهم العميقة، وعارضوا نظام السادات والجماعات الإسلامية التى أطلقها عليهم وسجنوا وفصلوا من وظائفهم، ودفعوا فواتير فادحة من زهرة شبابهم ثمنًا لمواقفهم.
الطبعة الجديدة من أدعياء «يسار السبّوبة» للأسف مجرد مسوخ بائسة، ثقافتهم شفوية سطحية، يتصرفون بمراهقة متشنجة، ويلعبون دور «دوبلير الإخوان» بمزاعم التصدى لما يصفونه بالحكم العسكرى، وليست لهم قواعد شعبية، فهم مجرد «شلل نخبوية»، يجعجعون بحقوق الإخوان، ويزعمون معارضتها، لكن فى مواجهتها ضد السلطة يصطفون خلف جماعة تراهم ملحدين منحلين، لكنها تستخدمهم بانتهازية الإخوان المعهودة، نعود للشاب «س» الذى فوجئت به مصادفة وقد تبدل حاله جذريًا، فيرتدى ملابس أنيقة ويستقل سيارة فارهة ويحدثنى عن الفيلا التى اشتراها مؤخرًا، ووجدتنى أسأله عن سر تحوله، فأجاب بفجاجة ولغة متدنية قائلاً: «السبّوبة شغالة يا ريس» وألجمتنى الصدمة فآثرت الصمت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة