رغم كل خيانات اليهود للنبى، صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه ورغم تآمرهم على الدولة الوليدة فى المدينة النبوية، فإن المرء يقف مشدوها ذاهلا أمام ذلك الموقف القرآنى العجيب الذى كان أحد أطرافه رجلا من يهود وآخر من كبرى عائلات الأنصار.. لقد وقع ذلك الأنصارى النسب «بشير بن أبيرق» فى خطيئة السرقة واستولى على درع أحد الصحابة، ولما كاد أمره أن يفتضح ألقى بالدرع فى دار يهودى يقال له «زيد بن السمين» وليقيد الحادث ضد يهودى، ولم لا؟ وهل لليهودى دية فى المجتمع المسلم، وقد ثبتت خيانات بنى ملته مرارا وتكرارا؟! فليقيد الحادث إذن ضد يهودى وليخرج الأنصارى سليما معافى ويا دار ما دخلك شر! هكذا ظن السارق الأنصارى نسبا الذى ارتد بعد ذلك وتبين أنه كان من المنافقين المظهرين غير ما يبطنون.. هكذا ظن.. وهكذا يظن البعض ويحسبون أنه لا دية ولا كرامة ولا حقوق تستحقها الطائفة التى تُعادى أو تُبغض. لكن الله لم يرض بهذا ولم يترك بريئا يحاسب بذنب لم يرتكبه حتى لو كان هذا البرىء يهوديا، فأنزل قرآنا يبرئ به ساحة اليهودى ويدين «الأوسي» الذى خان، وذلك فى آيات كريمات من سورة النساء خُتمت بتلك القاعدة القرآنية الخالدة «وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا»، قاعدة تقطع بأن دين الله لا يُقبل فيه تعميم عقاب أو نزع حقوق المرء بسبب كراهية أو اختلاف أو حتى عداوة، بل إن أشد الناس عداوة لا يحاسب إلا على ما اقترفته يداه، وأنه مهما كان الشنآن والبغض فإن ذلك ليس أبدا مبررا للظلم والبهتان وسهولة رمى الخلق لمجرد العداوة بكل عيب ونقصان، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». والعجيب أن الله اختار أن يكون بيان البراءة بنص قرآنى، وقد كان من الممكن أن يتم الأمر بتوجيه للنبى، صلى الله عليه وسلم، وينتهى الأمر، لكن الله أبى إلا أن تكون قاعدة عامة وأصلا ثابتا ما أحوجنا إليه خاصة فى هذه الأيام، ورغم أن الجرم يتضاعف والإساءة تعظم حين يكون البهتان والظلم الذى افتراه الإنسان فى حق غيره بشىء هو من فعله وجرم قد اقترفه وذنب هو من جناه فيرميه بما فيه ويتهمه بما اقترفته يداه فلا هو اكتفى بمعصيته ولا هو قصر أذاه عن غيره، ولكنه أضاف إلى اعتدائه بهتانا وظلما أصاب به بريئا، إلا أن الأمر لم يكن مجرد تبرئة برىء، ولكنه كان إقامة لميزان حق وعدل لا يميل مع الحب والبغض ولا يتأرجح مع الهوى أو العصبية.
ميزان لا تميله آفات وعوامل الضعف الإنسانى ولا تطففه مصالح شخصية أو انتماءات حزبية أو أهواء قبلية ولا تفسده أحقاد أو ضغائن أو عداوات حتى لو كانت بمثل هذه الطبيعة العقدية بين المسلمين واليهود، وحتى لو كان الذى عليه الحق من أقرب الناس فلابد من العدل معه، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»، لقد وعى النبى صلى الله عليه وسلم هذا المعنى القرآنى جيدا وعلمه للأمة جليا بينا فى قوله: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها»، نعم والله وتالله وبالله بمثل هذا تستقيم الدنيا، وبمن يصدعون بذلك وينهون عن ضده تنجو الأمم، «فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ»، وبمثل ذلك الميزان يرفع العذاب والهلاك «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»، بميزان الحق والعدل والإنصاف مع الجميع وليس بالشنآن والبهتان والرمى المطلق بكل عيب ونقصان واستسهال أن يقيد الحادث دائما ضد فلان الذى أكره أو علان الذى أعادى، وأنسى أن فلانا وعلانا هذا فى النهاية هو إنسان.. ولو كان يهوديا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين عبدالله
ربنا معك يابلادى
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير جورج
وماذا لو كان مسيحيا؟
عدد الردود 0
بواسطة:
666
قول لنفسك...
عدد الردود 0
بواسطة:
666
قول لنفسك...
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحليم السيد
إلى الأخ 666 التعليق الثالث
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
ما الغرض