من الشعارات الزائفة التى يسرف الإخوان والإسلاميون فى استخدامها «الاحتكام للصندوق»، وكأنه تحول إلى صنم يعبدونه، ولم يستوعبوا الدروس المستفادة من ثورة 30 يونيو، وأهمها أن الشعب وحده هو الذى يمتلك مفاتيح الصندوق، ويمنحها لمن يحفظ وحدته ويصون أمنه واستقراره ويسهر على راحته ولا يعرض حياة أبنائه للخطر، وكان التحدى الأكبر لإرادة الشعب هو إعلان الإخوان النفير العام والدعوة إلى الاحتشاد فى الميادين إيذانا بإشعال الحرب الأهلية، بما يرسخ فى وعى المصريين المخاوف التى دفعتهم للثورة، بأن تلك الجماعات تتشبث بالسلطة والحكم مهما كان الثمن من ضحايا ودماء، وأن كل ما تروج له من الدفاع عن الشرعية وأنها خط أحمر مجرد خدع وأكاذيب.
لم يدرك الإخوان أن الطريق إلى الصندوق فى بلد مثل مصر ذاقت حلاوة الثورة ومرارتها، مفروش بقبول الشعب ورضاه وتأييده، وليس بالانتقام والحشد والعنف وإراقة الدماء، ولم يسألوا أنفسهم لماذا خرجت هذه الجموع بشكل غير مسبوق فى تاريخ البشرية، تنادى برحيل رئيس لم يمض على توليه الحكم أكثر من عام؟.. واستمرت سياستهم فى العناد والمكابرة والاستعلاء واستعراض القوة، وكأن مصر ليس فيها شعب غاضب وثائر ومتمرد، وأهانوا الجموع العظيمة من المتظاهرين بالزعم بأن الفلول والنظام السابق والإعلام الفاسد والبلطجية هم الذين يحرضونهم، ولم يسألوا أنفسهم: إذا كان النظام السابق قادرا على تحريك الجماهير بهذا الشكل الرهيب، فلماذا قامت ضده الثورة، وهل غالبية الشعب المصرى فلول؟.
لم يدرك الإخوان أن إسرافهم فى استخدام كلمة «فلول» يؤدى لردود أفعال عكسية، وأن الشعب يعلم جيداً أن إعادة إنتاج النظام السابق من ضروب المستحيل، فلا يمكن إحياء نظام أسقطه وقوض أركانه وشيعه إلى مثواه الأخير، وأن طموح الجماهير التى خرجت تنادى برحيل الدكتور مرسى تستشرف المستقبل ليس باسترجاع أشباح الماضى، ولكن ببناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على التداول السلمى للسلطة، وتؤكد قاعدة «من جاء بالصندوق يرحل بالصندوق» وليس بالعنف والدماء والترويع وحشود العشيرة والأنصار، لم يدرك الإخوان أن الصندوق الذى يعبدونه كان سببًا مباشراً فى الثورة ضدهم، لأنه تحول من خادم مطيع للشعب إلى فتوة مفتول العضلات، وزاد سطوتهم وغرورهم واستعلاءهم، وشعورهم دائما بأنه لعبة فى أيديهم ورهن إشارتهم، فأغراهم بفرض دستور معيب رفضته المعارضة ولم تشارك فيه، وأغواهم بالتمسك ببرلمان غير دستورى هو مجلس الشورى، وحاولوا الإبقاء على مجلس الشعب المنحل لولا الوقفة الشجاعة للمحكمة الدستورية، وجعلهم فى حالة عداء مع القضاة والإعلاميين والمثقفين والقوة الناعمة فى المجتمع، وضربوا بكل المطالب عرض الحائط ورفعوا فى وجه كل من يعارضهم كارت الصندوق، «عايز تغير بالصندوق، تعارض بالصندوق، تتظاهر بالصندوق»، حتى الثورة أرادوا أن يحبسوها فى الصندوق، فخرج الشعب يقول: «أنا صاحب الصندوق وأمتلك مفاتحه».. صندوق حر ونزيه وشفاف يعكس إرادة الشعب الذى أراد الحياة، ولا بد أن يستجيب له القدر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة