رمضان العباسى

الجهاد فى سبيل الإخوان

الثلاثاء، 30 يوليو 2013 08:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يفرض الله الجهاد على الرسول والمسلمين رغبة فى السيطرة والتوسع، أو كسباً للمنافع الدنيوية، أو إرغاماً للناس على ترك عقائدهم والدخول فى دين الله، أو حبّاً فى إظهار القوة، أو معاقبة الشعوب على إرادتها وضرب جيوشها الوطنية، وإنما شُرع الجهاد دفعاً لمقاومة الباطل ومقارعة للكفر، ونشراً للعدل والحرية وإعلاء لكلمة الله وتحرير الأوطان من المغتصبين والاستعماريين ونصرة للمظلومين.

فهل دعوة فضيلة الشيخ الجليل، يوسف القرضاوى، للمسلمين فى أنحاء العالم للجهاد فى مصر تتوافق مع المبادئ والمقاصد التى فرض من أجلها الجهاد، وهل الذين يمكن أن يصابوا بعمى القلب والعقل ويلبوا النداء لقتل إخوانهم المصريين المسلمين الموحدين بالله سيكونون قتلى فى نار جهنم ومعتدين آثمين أم سيمنحهم الشيخ صك الشهادة والنجاة من النار والفوز بجنة الإخوان.
نحن جميعا ضد قتل أى شخص أو الاعتداء على أى مواطن أو الإساءة إليه وضد حكم العسكر للأوطان وضد عودة أمن الدولة فى ثوب جديد لسلب الحقوق، التى انتزعها المصريون فى ثورة يناير المجيدة، ولكن دعوة المسلمين للجهاد فى مصر تؤكد أن مسلسل الفتاوى حسب الأهواء والأمزجة والمصالح الحزبية والجماعية لا يزال يسيطر على الكثير من الشيوخ، الذين كنا نكن لهم الإجلال، ولكن هذا التقدير لدورهم ونضالهم لا يعنى منحهم الحق لإصدار الفتاوى لقتل الناس هنا وهناك تحت اسم راية الجهاد من أجل قناعات شخصية لاعلاقة لها بمنهج النبوية.

كنا نتمنى أن تكون دعوة الشيخ للجهاد فى سبيل الله للدفاع عن المقدسات، وما يتعرض له المسلمون من إبادة جماعية فى بورما وغيرها من الدول بدلاً من الدعوة للجهاد فى سيبل الإخوان، وأن تكون دعوة لإصلاح اعوجاج سلوك المسلمين من كل التيارات السياسية وتذكيرهم بالمناقب والمقاصد الحقيقية للشريعة الإسلامية التى تتوافق مع كل الأديان السماوية فى ضرورة صيانة النفس البشرية بدلاً من الجهاد ضد المصريين، عقابًا لهم على إسقاط حكم الإخوان نتيجة صراعات سياسية لا علاقة لها بالعقيدة الإسلامية.
إن دعوة الشيخ الجليل للقتال ضد المصريين وجيشهم تكشف حجم التناقض والتغير فى الآراء حسب المصلحة والأهواء، فالجيش المصرى الذى يدعو الشيخ للجهاد ضده، أكدت جماعة الإخوان -عندما كانت فى الحكم - أنه الأكثر التزاما وتدينا وانضباطا، وعندما خرجت من الحكم اعتبرته مليشيات مسلحة قاتلة تمارس الإرهاب ضد الشعب ويجب القضاء عليه، غير عابئة بخروج المصريين للشارع ضدها وكأنها لا ترى سوى صورها ولا تسمع سوى صدى صوتها.

كنا نتمنى أن يدعو فضيلة الشيخ المسلمين فى مصر للجهاد الأكبر لمكافحة الأهواء الشيطانية والزلات البشرية ومقاومة ملذات الدنيا والصراعات الدنيوية والكراسى الرئاسية وتوحيد كلمة المسلمين ورص صفوفهم والمطالبة بالقصاص للقتلى والمصابين وحق الناس فى معرفة الحقائق، بدلاً من دعوته للجهاد من أجل فئة بغضها الناس لسوء تصرفها، وقلة خبرتها وسذاجة أفعالها، وممارساتها المقيتة، واستغلالها للدين وتضخم الأنا لدى مكتب الإرشاد، الذى كان يدير البلاد دون تفويض وتحويل الرئيس إلى صورة فلكلورية منزوعة الرؤية.

كنا نتمنى من الشيخ الجليل أن يكون ناصحًا أمينًا لكل المصريين وموجها فاعلاً لإصلاح السلوك، الذى لا يعبر عن الإسلام أو المسلمين، الذى يمارسه هذا الطرف أو ذاك فى الشارع، ويذكرنا بما فعله النبى عليه الصلاة والسلام قبيل دخول مكة مباشرة عندما بلغه أن سعد بن عبادة قائد إحدى فرق الجيش قال "اليوم يوم الملحمة.. اليوم تستحل الحرمة" فخشى النبى صلى الله عليه وسلم أن يتورط سعد فى سفك الدماء والثأر من المشركين - علماً أنه لو فعلها المسلمون لكان حقًا لهم فى القصاص - لكن النبى قرر عزل سعدًا وولى بدله ابنه قيس بن سعد بن عبادة، وقال النبى عليه السلام "اليوم يوم المرحمة"، ثم عفا صلى الله عليه وسلم عمن آذوه وعذبوه وتآمروا على قتله وقتلوا أصحابه قائلاً لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فالجهاد ليس للانتقام والبحث عن أمر دنيوى وإنما للدفاع عن النفس والعرض والمقدسات والوطن، كنا نتمنى أن تكون دعوة لبناء الأوطان وإصلاح النفوس والمطالبة بالحقوق حتى يبقى الشيخ القامة والقيمة بنصحه وإرشاده وحكمته السديدة وقت الشدة وأن يكون مصدر للألفة والوحدة وأن يكون جزءا من الحل وليس العقدة، التى تكبر تحت ستار الدين والإسلام منها بريء، وأن يقوم بتوعية الناس بأن الرئيس المعزول ليس هو الإسلام فالجهاد من أجله لا يعنى الدفاع عن الإسلام، وخاصة أن الرئيس المعزول قال فى بداية حكمه "لست بخيركم فإن أحسنت فأعيوننى وإن أسأت فقومونى" فهل يعاقب الشعب على تقويمه للرئيس المعزول ويصبح مجتمعا كافرا يجب القضاء عليه باسم الجهاد وهل عاقب عمر ابن الخطاب الأعرابى، الذى أشهر سيفه وقال لعمر "لو رأينا منك اعوجاجا قومانك بهذا يا أمير المؤمنين".
كما يجب أن يدرك الشيخ أن الصدق ليس حقا حصريا على الإخوان والجماعات الإسلامية فتجربتهم على مدار عام تؤكد للمصرين غير ذلك، وكذلك يجب أن لا يكون اليقين والدليل حق حصرى على الطرف الآخر من الشرطة أو الجيش يتلاعبون به كيفما يشاءون لإخفاء حقائق يجب أن يعرفها الجميع، فلسنا أمام ملائكة هنا وشياطين هناك، نحن أمام مؤسسات وجماعات بشرية لها أخطاؤها ولكن ادعاء الشيخ بتكذيب طرف وتصديق طرف دون إظهار البينة على ما يقول يؤكد أن الأمر أهواء ذاتية ومصالح فئوية وحرب كلامية متبادلة يستخدم فيها الدين لمداعبة قلوب المواطنين.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة