فجأة أسدلت المحكمة الستار على موقعة الجمل وتمت براءة الجميع فى مهرجان البراءات الذى يتم برعاية الرئاسة والحكومة والنائب العام، المستشار طلعت إبراهيم، الذى أعاد الأمل للمصريين عندما أعلن بأن هناك ملفات جديدة وحقائق وأدلة دامغة ضد المتهمين بقتل الثوار والفاسدين فى عهد النظام السابق، ولكن ما حدث من براءات متتالية لرموز النظام ثم كارثة موقعة الجمل واعتقال الثوار بتهمة التظاهر، وإهانة الرئيس ووزير داخليته نزع الأمل من النفوس وأكد أن مصر تواصل السير نحو الانكفاء على إخفاء الحقائق وكتابة التاريخ بالمزاج والأهواء. فى الوقت الذى تتشدق فيه الرئاسة بأنها تحقق العدالة وأهداف الثورة والقصاص دون أن تدرك أن إسدال الستار على الحقائق بهذه الأساليب العجيبة استخفاف بالشعب وضياع للحقوق وبناء لأسوار الكراهية بين القيادة والشعب بدلاً من بناء جسور التواصل بين القوى السياسية.
للآسف أصبحنا فى زمن العجائب والغرائب المدهشة، فالرئيس يؤكد أنه لا يتوانى عن تحقيق العدالة وأنصاره يتهمون بالفصيح والحصيف القضاء بتبرئة الفاسدين دون أن ينطقوا بكلمة تجاه ما يحدث من براءات لزمرة الفاسدين فى عهد مبارك، فقد مر موضوع إسدال الستار على موقعة الجمل مرور الكرام ولم نجد حناجر الإخوان تقدح فى القضاء كالمعتاد لحاجة فى نفوسهم أو بطحة على رؤسهم أو عقابا قد يطالهم، فسقط النائب العام فى زلات قانوينة لا يمكن أن يقع فيها حقوقى بسيط، بتأخره فى الطعن على القضية فى الموعد المحدد.
فإذا كان التأخير نتيجة إهمال ونسيان فإن ذلك يستحق إنزال أشد العقاب على كبار المسئولين عن جهاز العدالة فى مصر، أما إذا كان الأمر متعمدا فإن ذلك يستوجب القصاص من المتلاعبين بالعدالة والمتسترين على الحقائق مهما كانت وظائفهم.
ولكن السكوت على الموضوع وعدم حديث الإخوان عنه من قريب أو بعيد وتستر الإعلام الخاص والحكومى عليه يثير الشك والريبة. لقد أكدت نهاية قضية موقعة الجمل أن الأشرار لا زالوا يواصلون شرورهم وأصابعهم تعبث بالوطن من أجل مصالحهم وليذهب الشهداء والضحايا إلى ربهم غير مأسوف عليهم، لتبقى الرغبات الجامحة نحو المصالح الشخصية والحزبية أهم من أرواح كل الشهداء.
لو كان القضاء حكم فى النقض الخاص بموقعة الجمل بالبراءة مستندا إلى أى سبب آخر غير الإهمال لخرجت علينا جماعة الإخوان تصدح بحناجرها وتعلن أن القضاء يواصل تضييع الحقوق ويبرئ الفاسدين والقاتلين، لكن عندما كان الخطأ من النائب العام والنيابة العامة فإن الأمر مر مرور الكرام. يبدو أن هؤلاء الذين يفكرون للنظام فقدوا البصر والبصيرة وأصبحوا يعملون بعقول فقدت التدبير وحسن التصاوير وقلوب تنبض بشرايين الآنانية لتحقيق الذاتية، معتقدين أن الشعب مجرد شخصيات هلامية يمكن الاستخاف به مرة ثانية، متناسين أن أى جماعة أو حزب لا يعمل من أجل مصر كلها ليس أكثر من مجرد زائدة دودية قد يتم اجتثاثها إذا انفجرت سمومها بين الناس.
إن ما حدث فى قضية موقعة الجمل يشير إلى أن النائب العام مشغول بقضايا أخرى أهم من قتل الثوار وإعادة حقوقهم والقصاص لهم، فالقبض على أحمد ماهر بحجة التظاهر أمام منزل وزير الداخلية وغيره من الثوار أهم من القصاص للشهداء وتحقيق العدالة للفقراء الذين فتحو صدورهم عارية أمام رصاصات الأمن ونظام مبارك فى الوقت الذى كان يختبئ فيه كل المتشدقين ونجوم الفضائيات فى الجحور، والبعض الآخر كان يعمل مع الأمن ضد الثوار والأحرار دون حياء حتى اللحظات الأخيرة لسقوط النظام، ثم بدأوا مرحلة التخلص من الثوار بعدما ضاقت صدورهم بقبول النقد والاتهام بالتقصير وسوء الأداء.
لا يمكن أن يمر ما حدث فى موقعة الجمل وغيرها من القضايا والاعتقالات بهذه الصورة السمجة فى أى دولة فى العالم دون تحقيق مع كل أركان السلطة وإنزال أشد العقاب بالمتسببين فى ذلك وإلا ستنضم موقعة الجمل إلى أخواتها من الموبقات التى يرتكبها النظام ضد الأحرار لمجرد الاختلاف فى الآراء ومحاولة إخفاء بعض الحقائق والاسرار.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة