عيد العمال وأعياد الأقباط وشم النسيم، ثلاثة أعياد خضراء كانت تستقبلهم مصر فى الماضى وهى مبتسمة، كانت تستقبلهم بالغناء والدعاء والمحبة، كان العمال على بعد خطوة من إنجاز حلم الصناعة الوطنية المستقلة، فى المحلة ونجع حمادى وشبرا الخيمة وحلوان وأسوان، الآن يوجد فى الحكومة وزير للصناعة، ومعظم المنتجات فى الأسواق صنعت فى الصين وتركيا وماليزيا، ذهب مبارك وبقيت الكوارث التى قص شريط افتتاحها، رأسمالية غير مسؤولة تستغل العمال وتعصف بأحلامهم، تم تجريف الكفاءات والأحلام بعد الخصخصة، لكى تعيش نخبة مبارك الاقتصادية، النخبة التى اغتصبت «بالتواطؤ مع جمال الابن» أراضى الدولة ودفعت فيها دراهم معدودات، واشترت مصانع تعب الشعب فى بنائها بسعر التراب، لن يغفر التاريخ للنظام البائد ما فعله فى العمال، أجور هزيلة، غياب الرعاية الاجتماعية والصحية، فى عهد مبارك تحول عيد العمال إلى «إفيه» المنحة ياريس.
وبعد أن يكنس السعاة مكان الاحتفال، يعود العمال إلى أحزانهم، وجاء مرسى بعد ثورة تطالب بالعدالة الاجتماعية، جاء ومعه رأسمالية أشرس، رأسمالية متدينة، لا تعترف بالصناعة والزراعة والصيد، رجال أعمال تجار تربوا فى كنف نخبة مبارك، هم يخططون لتحويل شباب مصر إلى بائعين فى محلاتهم، أو بائعين جائلين فى الشوارع التى كان يعبر منها الناس، العمال «مع الفلاحين والموظفين والصيادين» هم الذين يدفعون الضرائب، وهم ضحايا شروط صندوق الدولى، وضحايا غياب منظومة صحية محترمة، هم لا يشعرون بالأمن فى الشارع ولا فى البيت، لأنهم لا يعملون فى التجارة، ولأنهم لا مكان لهم فى الزمن الإخوانى الرغد، ولن يكلف طائر النهضة نفسه «ويمسى» عليهم، لأنه لو عمل العامل المصرى «بعد عودة مصانعه» سيسبب أزمة اقتصادية «ونفسية» للعامل التركى والماليزى الذى يحمل كارنيه «المشروع الإسلامى»، وستبور التجارة السويركية المزدهرة بعد غياب عمر أفندى وصيدناوى وبيع المصنوعات.
أعياد الأقباط هى الأخرى.. كان المسلمون يحتفلون بها، لأنها أعياد مصرية، كان ذلك قبل أن يظهر الصحراويون ويكفرون من يهنئهم بها، لقد وصل الحال بمصر إلى درجة سماع صوت شخص يحرض على العكننة على جاره القبطى فى عيده، هم يعبرون عن جفاف ورمل وحضارات بائدة وعن قسوة لا تتسق مع ثقافة الزراع الذين ملأوا الدنيا علما وتدينا وغناء ورحمة ورقة وتسامحا، أعياد الأقباط هى جزء أصيل فى الوجدان المصرى الجامع، تقرب مثل غيرها بين الناس، وتؤكد للمتربصين أن مصر «اللى الجبرتى لم يعرف لها عمر» من الممكن أن تبصق من يستهين بانسجامها وتحضرها، الأقباط هذا العام حزانى، وقلوبنا معهم، ولكن عليهم أن يثقوا فى أن مصر عمرها أطول من ثمانين عاما من التآمر، وكل عام وهم طيبون ومتسامحون ومصريون وأحرار، أما شم النسيم الذى يعتبره الصحراويون المتجهمون بدعة، فهو عيد الربيع الذى يخشاه القادمون من الربع الخالى، لأن الربيع لا تحتفل به إلا الشعوب المتحضرة الثقيلة التى تؤمن بالزراعة والنماء، والتى تصبر على الزرع وتراعيه كما تراعى أطفالها، هو عيد مصرى لم ولن يقدر على الإطاحة به مخلوق، لأن الورود تتقدم المشهد لتعبر عن قدرة الخالق، وتعلن بدء بهجة ترك سرها أجدادنا وهم فى طريقهم إلى السعى.. والخلود.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة