من أهم الأشياء التى ميزت التطور الإنسانى كان ما يسمى بالقانون، فالذى يميز الإنسان المتحضر هو القانون، والذى يفرق بين المجتمعات البدائية والقبلية والعشائرية، وبين المجتمع المتدين والراقى والمتقدم هو أيضاً القانون، لذلك نرى أن هناك مناطق من الضوء عبر التاريخ الإنسانى قد تميزت وتقدمت وتحضرت، وأضافت للتراث الحضارى للإنسانية، وكان ذلك عبر إنجازها واحترامها للقانون مثل قانون حمورابى الذى شرع عبر الحضارة البابلية، وهناك كثير من التشريعات الإنسانية التى تسمو بالإنسان فى حياته وتعده لما بعد الحياة كانت إنجازاً مصرياً أهدته الحضارة المصرية للإنسانية كلها، كما كانت الماجنا كارتا هى إحدى الإبداعات الأوروبية أيضاً، ولذا فقد أبدع الإنسان الدساتير والقوانين حتى يتكون هناك عقد اجتماعى يحكم المجتمع، ويحدد العلاقات وينظم المسؤوليات ليكون هناك جزاء للمخطئ وإثابة للمصيب، ليعم العدل ويكون الاستقرار والتقدم، فى الوقت الذى الحاكم أسقط فيه القانون وانتهك الدستور، يغيب العدل وتعم الفوضى وينتشر الفساد وتضيع الحقوق ويصبح بديل القانون هو قانون الغاب المتخلف الذى يخمد العقل ويجمد الفكر ويعلى من القوة العضلية التى هى أقرب للحيوان منها للإنسان، فالنظام الذى يسقط القانون ويهمله ولا يكترث به أو يطبقه بشكل انتقائى فهذا هو السوس الذى ينخر فى عظام هذا النظام فيسقطه غير مأسوف عليه، وهذا ما كان فى نظام مبارك الذى لم يطبق القانون على أتباعه ومريديه بل على معارضيه، فعم الفساد وتجذر الإفساد، ولذا وعلى ذلك كانت يناير بشعارها «حرية. كرامة. عدالة اجتماعية»، وهذا الشعار لن يكون له نصيب على أرض الواقع بدون القانون ودولته، فماذا رأينا بعد القفز على يناير وبعد السعى الدؤوب لاختطاف الدولة وأخونتها؟ ما نراه هو حالة غير مسبوقة تمثلت فى اختطاف الدستور وتفصيله على مقاس الجماعة وأخواتها، رأينا إسقاط القانون حتى إن كل جماعة قد أصبح لها قانونها الخاص الذى تريد أن تطبقه - وتطبقه بالفعل - فرضاً وقسراً، ولذا نرى أن الرئيس وجماعته وعشيرته لهم قانونهم الخاص جداً والذى لا علاقة له بالقانون العام، بما يعنى إهداراً للدستور وإسقاط القانون، وبقانونهم الخاص لم يعد مرسى رئيساً لمصر بل تابعاً لهم، ولم تعد الجماعة محظورة بل هى مؤسسة الرئاسة الفعلية لمصر، واستقالة جاد الله قد أكدت المؤكد، وبقانونهم الخاص اللاقانونى يتعاملون - ويريدوننا كذلك - مع المرشد باعتباره أنه أكبر من رئيس الدولة، ولذا فقد أصبح مرسى لا هو رئيس ولا هو رئيس، فيتكلم باعتباره ما كان كرئيس، ولكن الواقع والقرارات والتخبط والازدواجية وفقدان الثقة جعلت المشهد كوميديا بامتياز، وبقانونهم اللاقانونى يرون أنفسهم بديلاً للشعب، ومصلحتهم لابد أن يؤمن هذا الشعب الجاهل أنها مصلحته، يرون مصر وشعبها تركة هم ملاكها الوحيدون وقد استعادوها بعد فترة باللاقانون، فهم يؤمنون أن مصر ليست للمصريين بل هى ملك ليس لإخوان مصر ولكن لكل إخوان العالم، ولابد أن تكون ملك إرادتهم حتى يحققوا ما يريدون من خلافتهم الأستاذية، ولتذهب مصر وشعبها ليس إلى طظ بل إلى الجحيم، ولذا يصبح من الطبيعى أن ينحازوا إلى عشيرتهم فقط، وعندما يسقط القانون الذى هو فى نظرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة