فى الأسبوع الماضى عمل الصيف «بروة» وجاء مبكراً ودون استئذان، فارداً عضلاته ومستعرضاً قواه، وموجها إنذاراً وتحذيراً شديد اللهجة، وكأنه أراد أن يقول «حتشوفوا منى السنة دى اللى مشفتهوش فى حياتكم».. وكلامه صحيح، حيث يتوقع خبراء الأرصاد الجوية أن يكون صيف هذا العام هو الأشد حرارة، والأكثر رطوبة فى الثمانين عاما الأخيرة.. يعنى حر يفوق الوصف، لا ينفع معه مراوح، ولا مكيفات، ولا حتى «قطونيل»، حرٌ لن ينطفئ لهيبه بالبحر ولا المايوهات، ولا الجبنة والبطيخ، ولا الآيس كريم.. حرٌ يتطلب أن نستعد له ونعامله بأسلوب مختلف، حتى نتقى شره، ونتجنب غضبه ولهيبه ونتصالح معه، فربما يقبل الهدنة ويعفو عنا، ويوقف إطلاق الموجات الحارة، لنكسر وراءه قُلة ونقول له فى أكتوبر بيت الشعر الجميل للشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة «ودعناه وحمدنا ظله حين توارى.. دون رجعة».. حر هذا الصيف سوف يقطع أنفاس المكيفات، ولن تستطيع أحصنتها حتى لو كانت بمواصفات خليجية أن تتصدى لجحافله، وستخر معلنة التعطل والاستسلام.. ويا فرحة وكلاء شركات التكييف والصيانة التى ستفرض شروطها وأوامرها وأسعارها على «الحرانين» الغلابة، وفرماناتها بإدراجهم على قوائم «ترقب التركيب» وجداول «انتظار الصيانة»، وجديد هذا العام ليس الأجهزة المطورة شديدة المقاومة للحر، ولكن «نار الدولار» الذى صرع الجنيه، وأضاف مالا يقل عن %20 زيادة فى الأسعار، وأصبح شماعة لتبرير كل أشكال الاستغلال والجشع والغلاء.
ولن تنفع مع الحر - أيضا - تويتات النصح والهداية التى يطلقها رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل.. «افتحوا الشبابيك»، فتحناها فلم تأت بنسمة هواء، بل بلفحات ساخنة من فرن بلدى والعياذ بالله.. «غيروا ملابسكم إلى القطن المصرى بتاع زمان»، طيب يا سيادة رئيس الوزراء «قول للزمان ارجع يا زمان».. «زمان كان المصريين طيبين، ومهاودين وغلابة..
وعلى قد لحافهم يمدوا رجليهم»، والآن أصبحوا غاضبين ومحتجين ومعتصمين وأرجلهم أطول من اللحاف.. زمان كان القطن المصرى صاحب سمعة وصيت وشهرة، والآن حاله يصعب على الكافر، من اللى عمله فيه المزارع المصرى هو والصين.. زمان كان أحلى ميه نشربها من القلل القناوى والزير الأسوانى، والآن عصر المياه المعدنية والثلاجات والحاجة الساقعة.
كل اللى فات كوم وانقطاع الكهرباء كوم، والمؤشرات تشير إلى أن الصيف القادم سيكون الأكثر إظلاما ولساعات طويلة، يعنى ترشيد استهلاك إجبارى، ورغم أنف المخنوقين من الحر، وفى شريعة حكوماتنا، يبدو أن هذا الشعب لا تنفع معه إلا العين الحمرا والإظلام المفاجئ.. لا توعية نافعة ولا برامج تليفزيون سمجة تأتى بنتيجة، ومعدلات استهلاك الكهرباء بعد كل حملة ترشيد تؤتى ثمارا عكسية فى زيادة الاستهلاك وحدوث الأعطال ونقص الغاز والمازوت والسولار، وكلها تصب فى عجز محطات الكهرباء عن الوفاء بالاحتياجات. ذروة الأزمة ستكون فى رمضان الذى يأتى فى عز الحر «اللهم بلّغنا رمضان»، برامج ومسلسلات وشوادر وزينات وسحور وعزومات وكنافة وقطايف وحلويات وسهرات حتى صلاة الفجر، وتنفتح شهية الصائمين على استهلاك آلاف الأطنان من الطعام، وملايين الكيلووات من الكهرباء.. فماذا نحن فاعلون، وهل يتحمل الناس «خارطة قطع الكهرباء» عن شوارع وأحياء ومناطق سكنية بكاملها، فى أوقات الذروة الإجبارية التى تبدأ بمدفع الإفطار حتى صلاة الفجر.. وهل لدى الحكومة خطة مدروسة لمواجهة الأزمة والمرور منها بسلام، بل هل فكرت فى هذا الموضوع من أصله ؟
سيأتى الصيف هذا العام مبكراً، وتؤكد مقدماته أنه يحتاج لعقول تفكر وتخطط وأيادٍ تعمل وتنفذ وقلوب عامرة بالترشيد والإيمان، وحكومة تصارح الناس وتهيئهم وتحترم ذكاءهم ووعيهم، ولا تسرف فى الوعود، وتسوق الأوهام، وتلعب بخدعة الوقت الذى تتصور أنه فى صالحها على عكس الحقيقة.. حكومة تقول للناس هذه هى الإمكانيات وتلك هى الخطة لمواجهة الأزمات، ولا تفاجئهم بقطع الكهرباء دون سابق إنذار، فمن حق الناس أن يعرفوا أن الكهرباء ستنقطع عن المكان الفلانى من الساعة كذا للساعة كذا، وأن تكون خريطة توزيع الأحمال عادلة بين الأحياء الغنية والفقيرة، وبما يرضى الله، أما الحل الناجع، فهو أن تعالج الأزمة من جذورها.. أما جذورها فسوف تُقلّب علينا المواجع وتفتح الجراح.. وكل صيف وأنتم طيبون.
عدد الردود 0
بواسطة:
لك الله يا مصر
ربنا يرحمنا
ربنا يرحمنا و يخفف عنا
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد صادق
الظنون
الله خلّاف الظنون