يكفيك أن تسمع جزءا بسيطا من نشرة الأخبار، أو أحد البرامج السياسية حتى تصاب بالإحباط والألم والحسرة على ما يحدث فى الوطن، أو تقرأ صحيفة مصرية واحدة لتصاب بوعكة صحية، أو تقرأ صحيفة أجنبية لتعرف أن مصر القامة أصبحت بلا تأثير أو قيمة، وأن الصعاليك من حولها أصبحوا أبطالا على حسابها، وعندما تشاهد ما يحدث فى الشارع تدرك أن الأمل تحول إلى آلم، ولكن أخطر ما يتعرض له الوطن بعد حكم الإخوان المسلمين للبلاد هو الانهيار الأخلاقى الذى أصاب المصريين وغير مشاعرهم تجاه بعضهم البعض وأنزل القسوة والغلظة فى قلوبهم ونزع الضحكة من حياتهم وجعل الجفاء بديلاً عن الابتسامة السمحاء.
فى عصر التحولات والتغيرات التى تشهدها مصر تبدل كل شىء وأصبح التخاطب بين الناس مغلفاً بمشاعر التخوين، وغدت الجمل مبتورة، والكلمات مكذوبة والحلول معدومة والطموحات مفقودة. لم يأت هذا الانهيار من فراغ وإنما نتيجة الممارسات السياسية العجفاء وتحول الأشخاص الذين كنا نعتبرهم القدوة والمثل إلى نجوم فضائية يتراشقون بالألفاظ النابية، وكأنهم تربوا فى الشوارع ولم يجلسوا يوما بين يدى العلماء والنجباء، فقد أصبح الكثير من الإسلاميين يشربون من السياسة آثامها بدلاً من أن ينزعوا منها سمومها، فأصبحوا يكفرون الآخرين ويقزمون المعارضين، ويكيدون بالمختلفين معهم، ويقضون الليل فى الفضائيات يقدمون تبريرات ساذجة لأخطائهم الفادحة، ثم يكابرون فى الاستعانة بالمتخصصين وأصحاب الكفاءات القادرين، على الإنجاز وتقديم الحلول ومعالجة الآثام، فأصبحوا يشاهدون الوطن ينهار ثم يدعون أنهم يسيرون على الهدى القويم وسيرة خير المرسلين.
كان الجميع يظن أن وصول الإسلاميين إلى الحكم سيساهم فى نشر القيم وإعلاء المبادئ وترسيخ مفاهيم التسامح والقضاء على سوء الأفعال والأقوال ومحاربة الفساد وتعزيز القيم الإيجابية عند المصريين، وتحقيق العدل والأمان للجميع، ولكن حدث العكس فمع وصول جماعة الإخوان المسلمين أصيب المجتمع بشطط لم يعرفه من قبل، وخرج أناس بلا خبرة ولا تفكير ولا قدرة ولا إبداع ولا دراية بالسياسة وأبعادها ومصر تاريخها يحاولون أن يتوغلوا ويتغلغلوا ويفتشوا ويصنعوا لأنفسهم صوتاً وصيتاً وسياطاً، وينصبوا أنفسهم أوصياء ورعاة حصريين للدين والوطن، يحاولون أن يقفوا على قمة هرم الضجيج ويتحدثوا بفوقية واشمئزاز، ثم يدعون أنهم يهتدون بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الواقع يقول إنهم تناسوا صفاته وتخلو عن أفعاله ولم يعرفوا كيف كان يتصرف مع أعدائه قبل أصدقائه.
لقد أدت أفعالهم إلى فقدان المجتمع المناعة ضد فيروسات الهلوسة التى أصابت الحكم والمعارضة، فأصبحت الجرائم والسرقات ترتكب جهارا نهارا والسطو يتم على مرأى الجميع بعدما هربت الشجاعة، واختفت الحكومة وكأن الزلزلة ضربت الإنسانية، ومحت المشاعر وخسفت بالبنيان الحضارى الذى ميز المصريين عبر تاريخ هذا البلد وأصلة ومعدن شعبه الذى عاش ردحاً طويلاً من الزمن، تجمعهم الكلمة الطيبة والابتسامة الرطبة والعلاقة الدافئة والضحكة الحاضرة التى عجزت قسوة الظروف والأنظمة أن تنزعها من القلوب ولكن ممارسات عدة أشهر فى عهد الإسلاميين أفقدتها من الوجود.
فالأشخاص الذين ننتظر منهم معلومات مفيدة فى الفقه والعقيدة ونشر التسامح والفضيلة يقدمون لنا وجبة يومية فى الآثام مستخدمين أقبح الألفاظ إلا من رحم ربى فنجد شيخاً يتهم البعض بالنجاسة والآخر يتهم البعض بالكفر وثالث يجيز قتل المعارضين ورابع يكذب على الناس جهارا نهارا والخامس يعتبر الهجوم خير وسيلة للدفاع وكأنه فى مباراة وليس فى جلسة توجيه ونصح وإرشاد وبناء، هؤلاء وأمثالهم جعلوا المعارضين أكثر تشدد والشعب أكثر بغيا وساهموا بأفعالهم فى ردود سلبية بدلا من الأفعال الإيجابية.
يجب أن يدرك الحكام الجدد أن الانهيار الأخلاقى أشد وطأة على المجتمع من الانهيار الاقتصادى، وأن بناء الوطن لن يتحقق إلا بالإيخاء بين الجميع واختيار الأكفاء وتطبيق هدى الإسلام الصحيح، وليس البحث عن الفتن والعلل بين السطور لمهاجمة الآخرين، فالانهيار الأخلاقى الذى يشهده المجتمع يستوجب على الدعاة والحكام إعادة تقييم منهجهم الدعوى والإصلاحى وطريقة مخاطبة الآخرين واختيار الأشخاص المناسبين ومخاطبة الناس باللين كما كان يفعل سيد المرسلين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة