نبيل شرف الدين

على هامش الثورة.. الطلاق وأوجاع أخرى

السبت، 16 مارس 2013 09:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استوقفتنى فجأة فى الشارع بترحاب حميم شعرت معه بالخجل، لأننى وإن كنت أذكر صاحبة هذا الوجه، لكنى للأسف نسيت اسمها فى غمرة الأحداث وكأنها شعرت بارتباكى فقالت: «أنا فلانة»، جارتك القديمة التى كنت زوجة «فلان» يا إلهى تذكرتها لكنها كانت تغيرت كثيرًا، حتى طريقة ملابسها وارتدت ما يسمى «الإسدال» وهو «الشادور الفارسى»، زاد وزنها كثيرًا، وعبث الزمن ببقايا حسن فى ملامحها. سألتها: ماذا حدث؟ فردت باقتضاب: طلقنى ربنا يسامحه، قال لى بعد عشرين عامًا إنه يمر بأزمة منتصف العمر، ولم يعد يريدها زوجة ومنحها حقوقها الشرعية، وحضانة ابنتهما الصبية. تزاحمت فى مخيلتى صورتها القديمة كيف كانت تنتظره فى شرفة المنزل لتترقب عودته من عمله، وكيف كانت قصة حبهما حديث الحى كله، كانت رشيقة مبهجة، حين تخرج متأنقة تتأبط ذراع زوجها. وبينما كان وجدانى مشتتًا باستدعاء تلك الصور الرائعة للسيدة التى ذبلت كوردة ألقى بها ذلك الرجل الشرير فى «سلة المهملات» راحت تحدثنى عن متابعتها لى فيما أكتب أو خلال الحوارات التليفزيونية وكم هى سعيدة لهذه المصادفة التى جمعتنا، وسألتها: هل من أمل لو تدخلت لدى طليقها؟ فتبدلت ملامح وجهها وردت بصرامة: لا تفكر فى الأمر، فهذه صفحة طويت. راحت السيدة تحاول دفن حزنها العميق بابتسامة مصطنعة، تبادلنا أرقام الهواتف، وفجأة تبخرت،حاولت تتبعها دون جدوى، عدت مسرعاً لمنزلى استلقيت على فراشى محاولاً استيعاب ما حدث، وقلت لنفسى فى صمت: أدرك جيدًا أن الوطن أصبح مثل راقصة عرجاء، وأن البشر خبثاء وأشرار إلا من رحم ربى، والأهل والأصدقاء مشتتون، والمستقبل لا يبشر بالخير. نحيت السجالات السياسية جانبًا ورحت أفكر كيف تسللت حالة الاحتقان السياسى إلى المجتمع ونسفت أكثر العلاقات حميمية، كيف تحول الانقسام السياسى واليأس من التوصل لحل قريب لأزمات تحاصرنا،وقرأت أحدث إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء التى ترصد وقوع 151 ألف حالة طلاق خلال العام الماضى، بزيادة 2557 حالة عن العام السابق، حتى وصلت لأرقام قياسية لتصبح مصر الأولى دوليًا فى الطلاق، إذ ارتفعت خلال العامين الماضيين بشكل مخيف، فيوميا تقع نحو 300 حالة طلاق، ووصل عدد المطلقات لأكثر من ثلاثة ملايين مطلقة. جهابذة تمييع القضايا الجادة ممن يطلق عليهم «خبراء» سيبررون الأمر لأسباب اقتصادية أو ضغوط الحياة أو غيرها من الكليشيهات الجاهزة،لكن ثمة حقيقة سيتجاهلونها وهى أن القبح صار عنوان المرحلة، وطفح أبشع ما فينا، لذلك صارت صحتنا النفسية معتّلة، ومع كل ذلك أدير ظهرى للأوجاع، وألتف حول نفسى قائلاً: مازال فى هذه الحياة ما يستحق محاولة أخيرة.. لعل وعسى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة