يرصد المتابع للمزاج العام للمصريين تحولات درامية يصعب معها التكهن بالخطوة المُقبلة، فالشعب الذى أطاح بمبارك ونظامه وراهنت قطاعات على جماعة الإخوان ومرشحها الرئيس المعزول محمد مرسى، انقلبت عليه وأطاحت به وهنا تجدر الإشارة لحقيقة يتغافل عنها الكثيرون، وهى أن الجيش الذى ساند ثورة 25 يناير، هو نفسه الذى دعم ثورة 30 يونيو، لكن بالطبع اختلفت الظروف والملابسات. الآن بلغ الاستقطاب درجة لم تشهدها مصر طيلة تاريخها المعاصر، فقد أثارت التطورات الأخيرة المخاوف حول انعكاسات الحرب على الإرهاب على مسار «خارطة الطريق» المطروحة لفترة ما بعد مرسى، فبينما يطالب الجيش أنصار مرسى بنبذ العنف، يستمر سقوط الضحايا فى مواجهات تُصر على تصعيدها جماعة «الإخوان المسلمين» وخلفها تنظيمها الدولى. وبمناسبة الاصطفاف خلف الإخوان فمن الطبيعى أن يجمع شتى التنظيمات والجماعات التى خرجت من عباءة «أم الجماعات» لكن المثير تحالفها مع اليسار المراهق ممثلاً بفصيل «الاشتراكيين الثوريين» وحركات مثل «6 إبريل»، وكلمة السر التى جمعت «الشامى والمغربى» ليست داخل مصر، بل خارجها.
نعم هناك «مزاج شعبى متقلب» لعله يرجع لارتفاع «سقف التوقعات» لدى الشارع دون النظر لمجمل الأوضاع التى تحاصر مصر لكن ما ينبغى أن يدركه الجميع أن ما جرى خلال ثلاثين شهرا مرّت منذ ثورة ميادين التحرير هو أن النّمر الذى ظلّ حبيسا فى قفَص عقودًا، خرج من القفص ولن يستطيع مخلوق أن يُعيده، وهو يتحرك فقط من أجل مصر، لذلك فلن يقبل أن يحاول أحد استخدامه لتحقيق مصالح ضيقة، فضلاً عن أن النّمر المصرى سيلتهم المتاجرين بثورته، بعدما كان يكتفى بالوعود والأكاذيب.
تبقى الإشارة إلى استيعاب أمريكا فشل مخططاتها بعد سنوات أهدرتها فى محاولات بائسة لإعادة تقسيم المنطقة ضمن برنامج يرعاه ما يسمى «المنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب» الذى يضم أمريكا وتركيا ويتلقى تمويلاً هائلاً من شركات وهيئات، بينما يسعى حزب أردوجان التركى للعب دور «شرطى المنطقة» كأحد مؤهلاته لتحقيق حلم الالتحاق بالاتحاد الأوروبى. قصارى القول: أن التاريخ سيذكر لجيش مصر انحيازه للإرادة الشعبية بخيار «مدنية الدولة» لينقذ أجيالاً كانت ستدفع ثمنًا باهظًا للأوهام الإخوانية العثمانية وراعيها الأمريكى، وهنا تبرز أهمية كشف الحقائق للمصريين ليدركوا أبعاد الكارثة التى حمى الله مصر منها، وينبغى علينا مقاومة «المزاج المتقلب» بالوعى والإرادة القوية، وعدم الانسياق خلف تجار الدماء، ولصوص الثورات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة