د. عمار على حسن

خيارات الناس والثوار والسلطة والإخوان

الأربعاء، 04 ديسمبر 2013 09:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من يسعى إلى الوقوف على ما يجرى فى مصر حالياً، بدقة ورسوخ، وكذلك التنبؤ بما يمكن أن تكون عليه مسارات المستقبل السياسى فى مصر، لا بد له أن يذهب مباشرة إلى فحص ودراسة خيارات وانحيازات أربعة أطراف متشابكة ومشتبكة فى المشهد العام وهى: السلطة السياسية، والقوى الثورية والحزبية المدنية، وجماعة الإخوان وأتباعها، وموقف القاعدة الشعبية العريضة، التى إن حضرت غيرت موازين القوة، وحققت اختراقا استراتيجيا واضحا، لاسيما إن انضمت إلى الطليعة الثورية.

والسلطة مخيرة الآن بين الحفاظ على النظام من خلال الجهد الأمنى الفائق تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت مكافحة الإرهاب»، وبين الانتصار للثورة بترجمة شعاراتها ومبادئها فى سياسات عامة واضحة المعالم.. أما القوى الثورية فأمامها ثلاثة طرق: إما أن تتحالف مع السلطة المؤقتة فى المرحلة الانتقالية أو التأسيسية، أو تصمت على سياساتها حتى ولو لم ترق لها خوفا على الدولة المعرضة لخطر الإرهاب، وإدراكا منها أن السلطة المؤقتة المنبثقة عن ثورة 30 يونيو فى حاجة دائمة إلى غطاء سياسى قوى، أو تعود إلى الميادين فى مظاهرات احتجاجية جديدة قد تستغلها جماعة الإخوان فى الضغط على أهل الحكم، وإما أن تؤمن بأن الطريق الآمن لإثبات وجودها وتحقيق أهدافها هو التجهيز للمنافسة القوية فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، باختيار قائمة موحدة للأولى، ومرشح واحد للثانية.. ويكون عليها فى هذه الحالة أن تطرح بدائل راسخة فى المجالات كافة، وتقنع القطاع الأكبر من الرأى العام بأنها تشكل حلاً أو وعدا جديدا لجموع المصريين.

وفور إسقاط حكم مرسى بفعل ثورة 30 يونيو كان أمام الإخوان ثلاثة خيارات، الأول إلى الأمام، ويعنى قيام الجماعة بمراجعة أفكارها وأدوارها وإبداء الاعتذار للمصريين عما بدر منها من فشل فى الحكم وعنف ضد المجتمع واستهداف لمؤسسات الدولة. والثانى إلى الخلف وهو الاستمرار فى المواجهة العنيفة، المفتوحة والسافرة، ضد الدولة والمجتمع، وهو خيار انتحارى من دون شك بالنسبة للإخوان الذين لا قبل لهم ولا طاقة بإمكانات دولة قديمة، لاسيما أن الأغلبية الكاسحة من الشعب ستقف مع السلطة فى مثل هذه المواجهة.. والثالث الوقوف فى المكان، وهو خيار تحايلى تقوم الجماعة بمقتضاه بتعويم جزء صغير منها فى الحياة السياسية والاجتماعية، محاولة أن تحافظ على المشروعية والشرعية التى اكتسبتها بعد ثورة يناير، مع بقاء الجزء الأكبر منها غاطساً، يتعاون مع الجماعات التكفيرية والتنظيمات الإرهابية لإنهاك أى نظام حكم قادم، وهذا هو الطريق الذى أصبح يسلكه الإخوان فى نهاية المطاف.

وأخيرا تأتى القاعدة الشعبية العريضة، وهى الرقم الأهم فى المعادلة السياسية برمتها، لتتخير بين الاستقرار والرضا بما هو قائم أيا كان، أو الإصرار على استكمال الثورة التى لا تزال ناقصة حتى الآن، سواء كان هذا الاستكمال بالاحتجاج المباشر فى الشوارع أو بالوقوف ساعات أمام طوابير الانتخابات، لانتخاب وجوه أو برامج ثورية، حال تبلورها واكتمالها.

وحاصل تفاعل هذه الخيارات التى تتلاقى فى بعض النقاط وتتجافى فى بعضها هو الذى سيشكل أبعاد المستقبل القريب، وربما المتوسط، فى مصر، مع الأخذ فى الاعتبار دور القوى الإقليمية والدولية التى ثبت أنها تؤثر، إيجابيا وسلبيا، على الوضع الداخلى المصرى، لاسيما فى الأزمات العاصفة التى تواجه الدولة، وتخلق ذرائع أمام التدخل الدولى أو تدفع بعض الأطراف للاستعانة بطرف خارجى مثلما يفعل الإخوان.

وقد يكون من المفيد فى هذا المقام أن نفصل فى شرح خيارات القوى الثورية والحزبية باعتبارها الأكثر تفاعلا مع الخيارات الأخرى، والتى من الممكن أن تحسم أموراً كثيرة.. وتتوزع خيارات هذا الطرف على الاحتمالات الثلاثة الآتية:

1- التحالف مع السلطة أو الصمت حيال أفعالها، والصبر عليها، خوفا على الدولة التى دخلت فى مواجهة حاسمة مع الإرهاب. فكثير من هذه القوى يرى أن الوقت غير مناسب لممارسة ضغوط شديدة على سلطة مؤقتة تقع على كتفيها مهمة ثقيلة وهى إعادة الأمن إلى الشارع، ومواجهة التآمر الدولى على البلاد، فضلا بالقطع عن مكافحة العنف المفرط والإرهاب الذى تمارسه جماعة الإخوان وحلفاؤها. ويعتقد هؤلاء أن الدفاع عن السلطة الحالية بوصفها نتاجا لثورة 30 يونيو، والجسر الواصل بين مرحلتين فى تاريخ البلاد، عمل لا بد منه، لأن العكس يعنى رفع الغطاء السياسى عنها، وتعريتها أمام خصمها الأول وهو الإخوان، بما يصب فى صالح هذه الجماعة فى النهاية.

2- العودة إلى الميادين: وذلك للاحتجاج على السياسات القائمة باعتبارها لا تترجم مبادئ الثورة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية» فى الواقع المعاش، ومن منطلق الإيمان بأن ابتعاد السلطة الحالية أو القادمة عن «الخط الثورى» سيؤدى فى النهاية إلى شحن رصيد غضب جديد فى نفوس الناس وقلوبهم، لاسيما أن الثورة قامت أصلا نظرا لأن شروطها كانت قائمة بقوة فى عهد حكم حسنى مبارك، حيث تزوير الانتخابات، واستشراء الفساد، واحتكار القرار السياسى، وسطوة الأمن الغاشمة، والفجوة الطبقية الهائلة، والتجبر البيروقراطى الظاهر، وتراجع مكانة مصر إقليميا ودوليا.

والاحتجاج المباشر قد يؤدى إلى عدة نتائج أولها إمكانية تنبيه السلطة إلى تأخر الاستجابة للثورة، ودفعها إلى اتخاذ ما يلزم حيال هذا الاستحقاق المنتظر.. وهذا بالقطع أكثر الاحتمالات أمنا وسلاما وعدلا أيضا. وثانيها: عناد السلطة، ومن ثم استمرار التظاهر بما يعرض مصر لتكون دولة فاشلة، بعد أن نزفت كثيرا وطويلا نتيجة استمرار الاضطراب السياسى.. وثالثها، قيام جماعة الإخوان، إن كانت لا تزال فى حالة مواجهة مع النظام الحاكم، باستغلال هذه الاحتجاجات من جديد لصالحها، وامتطائها مثلما امتطت ثورة يناير، وتحويلها كقوة دفع فى الضغط على السلطة من أجل إجبارها على تقديم تنازلات لحساب الجماعة، وسرقة الثورة من جديد. وهنا يكون الثوار محل تلاعب جديد من قبل الإخوان، بعد أن تحولوا فى النهاية إلى دفقة نقية من دم جديد تنساب فى شرايين الجماعة فتقويها.. والجماعة نفسها تراهن على هذا الخيار، فتطرح نفسها، كذبا وافتراء، باعتبارها راعية ثورة يناير أو حارستها، حتى تخدع شباب الثورة، الذين أزعجهم خروج بعض الوجوه لتشكك فى ثورة يناير وتصفها، زورا وبهتانا، بأنها كانت مؤامرة خارجية.. وقد بان هذا المشهد جليا فى الأيام الأخيرة حيث يتحدث الإخوان عن تجميع القوى الثورية فى وجه قانون التظاهر أو ممارسات الشرطة، أو المخاوف من عودة الدولة البوليسية، أو موضوع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.

3- مسار الانتخابات: أى إمكانية أن تكمل هذه القوى بالصندوق ما سبق أن بدأته بحناجرها الهادرة، وأياديها التى كانت تدق الهواء، أو بالسواعد التى واجهت قوات الأمن فى ثورة يناير.. لكن ما يجعل الثوار مترددين من المضى قدما فى هذا الخيار أن إمكانيات الثوار المادية لا تزال محدودة، كما أنهم لم يتوحدوا بعد بالقدر الذى يتيح لهم منافسة أصحاب المال أو المستندين إلى ظهور قبلية وعشائرية وعائلية.. كما يعرقل هذا الخيار حالة الضعف التى عليها الأحزاب السياسية المصرية فى الوقت الراهن، وهى مشكلة مزمنة بدأت بعد عودة الحياة الحزبية عقب ثورة يوليو فى مصر. لكن هذا العيب يمكن تفاديه إن توحد التيار المدنى المرتبط بالثورة فى هذه اللحظة الفارقة ليملأ الفراغ السياسى الكبير الذى تعيشه مصر فى الوقت الراهن.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة