من المعروف أن الأديان تتكامل، والحضارات تتواصل، والثقافات تتحاور، فهناك أرضية معرفية واحدة مهما اختلفت الأماكن وتباينت الأزمنة، ساهمت، وتساهم على الدوام، فى صعود سلم التقدم العلمى والرقى الحضارى لصالح الإنسان فى كل مكان، وعلى ذلك فما يسمى مصطلح صراع الأجيال هو مصطلح ليس دقيقا، حيث إن الأجيال تتكامل وتسلم الخبرة الحياتية بعضها لبعض، تأكيدا للتواصل وليس الصراع، فالمشكلة هى غياب ثقافة الحوار الذى يضع الحواجز الوهمية ويكرس الهواجس النفسية فتتحول المشكلة إلى صراع وهمى، والصراع الوهمى هذا ناتج عن غياب الأدوار الحقيقية على أرض الواقع، فالأدوار الحقيقية والمواقف الوطنية تتكلم عن نفسها وتتحدث عن ذاتها دون صراعات مختلقة تحاول اختطاف أدوار غير موجودة على أرض الواقع، فالشباب هم نبت الحاضر وثمار المستقبل، هم من سيتسلم زمام الأمور فى قابل الأيام بحكم الواقع وفرضية الزمان، ولكن هذا لا يتناقض مع دور من تخطى مرحلة الشباب، فالشباب حماس وما بعده خبرة، والحماس يقوى الخبرة، والخبرة تروض الحماس، فهل ثورة 25 يناير التى كانت انتفاضة شعبية ولم تتحول إلى ثورة حتى الآن، كانت بنت لحظتها ونتاج تلك الدعوة الفيسبوكية التى أطلقها الشباب فقط؟ بلا شك الإجابة بلا، حيث إن الثورات والانتفاضات ليست بنت لحظتها ولا تأتى بضغط على زر التغيير فيحدث، ولكن هذا لن يكون بغير عملية تراكمية تاريخية ممتدة، فـ«25 يناير» هى نتاج نضال طويل ممتد عبر الزمان، فكل من سجن واعتقل، كل من خرج وتظاهر وعبر عن رأيه، كل من كتب مقالا معارضا، كل من دفع ثمن معارضته وضحى بالغالى والنفيس تمسكا بموقفة الوطنى، كل هؤلاء هم من ساهموا فى تهيئة الظروف وحشد الرأى العام للخروج لكى يعبر عن رأيه ويطالب بما يريد، فيناير لا ينفصل عن التاريخ النضالى للشعب المصرى، ولهذا فمن يتخيلون أنهم صناع يناير منفصلة عن مجمل النضال التراكمى المصرى هم لا يعرفون، ولكن المشكلة أننا اعتدنا على ترديد الشعارات وتقديسها دون دراية ولا دراسة، فزايد من لا دور لهم ممن يعتقدون أنهم نخبة لا تجيد غير الظهور الإعلامى باسم الشباب حتى تصور الشباب أنهم وحدهم هم صناع يناير، فأخذهم الغرور وأغرقتهم نداهة الإعلام ونفاق السلطة، بدءا من المجلس العسكرى مرورا بشرف وصولا لحازم، حتى إن من تسلقوا على فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة التى أطلقها د. يحيى القزاز فى ديسمبر 2012 باسم حركة تمرد، تصوراً منهم أنهم هو من حشدوا اثنين وعشرين مليون مصرى، وأن هذه الملايين مازالت تحت طلبهم، ناسين أن «تمرد» هى فكرة عبرت عن مكنون الشعب الذى كان رافضاً لحكم الإخوان، حتى وجدنا هؤلاء الشباب يتصارعون على المناصب، ولذا فمن الطبيعى أن نجد هذا المشهد الذى يسيطر عليه التشتت والتمزق والاتهامات المتبادلة، وهنا نقول إن التغيير والثورة حتى الإصلاح هو عمل تراكمى وفعل جماهيرى يساهم فيه الجميع، والنضال السياسى فريضة وطنية لا تسعى إلى مكسب ذاتى أو مصلحة شخصية، فالوطن يستحق الكثير والكثير، فلا تغيير ولا ثورة بدون توافق وتوحد ونكران ذات وتضحية بالنفس والنفيس، فليعلم الجميع أنه بغير الجماهير المصرية كافة لا يكون يناير ولا يونيو ولا تغيير، فمصر بالمصريين ولا تكون لغير جميع المصريين وطريق النضال طويل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة