أسوأ شىء أن يكون الحاكم مفتقداً للرؤية وللسمع وللشم أيضاً.. كنا نعيب على حكم الإخوان أنه لم ير شعبا.. ولم ير من الشعب غير أهله وعشيرته.. وحذرناه كثيرا من عاقبة الأمور لكن كيف كان ممكنا أن يستجيب من لا يرى.. ما جرى يوم الثلاثاء الماضى يعيدنا إلى ما قلناه من قبل.. هذه المرة أكثر إيلاما لأن من نتحدث عنهم هم حكومة جاءت بعد ثورة على الإخوان.. ما أكثر ما كتب نقاشا ومعارضة لقانون التظاهر قبل صدوره، ثم إذا به يصدر أسوأ مما كان.. وحتى لا يكون الكلام فى العموم فلن أناقش كل مواد القانون التى لا أعرف جدوى عددها الكبير.. لكن القانون أعطى وزارة الداخلية الحق فى رفض المظاهرة.. وهكذا عادت وزارة الداخلية كما كانت فى عهد مبارك يدا فوق الشعب ومع السلطان.. هى هكذا تستطيع أن ترفض مظاهرة للعمال بحجة تعطيل الإنتاج ومظاهرة للمدرسين بحجة تعطيل الدراسة ومظاهرة للفلاحين بحجة تعطيل الحصاد! وهكذا من جديد يكون على وزارة الداخلية تحمل مسؤولية أخطاء كل الوزارات وكل رجال الأعمال وكل صاحب نفوذ أو عمل لأنها من حقها أن ترفض تظاهر من يعترض على ذلك.. الكلام واضح فى القانون لأى أعمى ولا أعرف كيف أصاب من وضعوا هذا القانون هذا العمى الذى لا يليق بهم.. ليس معنى أنك تريد أن تقول إن يدك ليست مرتعشة أن تقطع يد من أوصلك إلى الحكم.. وإذا كان المسؤولون لا يرون، فكيف بهم لا يسمعون لكل ما كتب حول مسودة القانون التى نشرت من قبل، وكيف لهم لا يشمون رائحة نار الثورة التى ما زالت مستمرة، وكان آخر تجلياتها 30 يونيو الذى لم تمض عليه سنوات.. لقد تركت الحكومة الإخوان المسلمين يتظاهرون فى عز قانون الطوارئ، ولما قام الإرهابيون باغتيال ضباط وجنود من الجيش أو الشرطة وظهر تعاطف الناس مع الضحايا اعتقدت الحكومة أنها الفرصة لتقييد الثورة، ولم تجد غير الطريقة التقليدية التى أودت بالنظام السابق وهى أن تكون وزارة الداخلية هى الحاكمة للبلاد.. قلنا مرارا وتكرارا إن من قاموا بالثورة شباب لن يهدأوا بحكم شبابهم قبل عشرين أو ثلاثين سنة، وليس أمامك لتهدئتهم إلا أن تعترف وتعمل لتحقيق أهداف ثورتهم، ولا أحد يسمع.. ويظهر من يعتبرون أنفسهم حكماء وكل حديثهم بلغة الماضى السحيق، ويملأون الفضائيات كلاما تافها عن الاستقرار، كأن الاستقرار لا يأتى إلا بخنق حرية الناس.. قلنا ألف مرة إن أول طريق إصلاح الداخلية ألا تتدخل فى السياسة، ولا معنى أن تدفع هى كل حين ثمن أخطاء الحكام ولا فائدة فى الكلام.. عشرات الناس لا أعرف من أين يأتون بهم يحدثونك أن الإخطار معمول به فى كل الدول المتحضرة فلماذا لا يكون عندنا، لكنهم لا يرون أو يسمعون أن الكلمة هى «إخطار» وليس طلبا للموافقة عليه.. إخطار يتم بأى طريقة اتصال وليس مهما حتى أن يذهب شخص ويقدمه.. إخطار يثبت حسن النية فتخرج الشرطة لحماية المتظاهرين السلميين لا لمنعهم أو ضربهم إلا إذا اخترقوا القانون وحولوا المظاهرة من سلمية إلى العدوان.. وحتى فى هذه الحالة تكون المواجهة وفقا للقانون وليس على الفور بالقبض على الناس وضربهم وإلقائهم فى الصحراء، أو على الطريق الصحراوى.. وحتى لو خرج الناس دون إخطار فعقوبتها جنحة تافهة وليس القبض والضرب وغير ذلك مما للأسف رآه الناس فى كل مكان من مصر أو من العالم.. لا قيمة لأى كلام يقال إن هذا القانون لأن مظاهرات الإخوان زادت على حدها، فالذى حدث أن الإخوان تظاهروا فى عز قانون الطوارئ ولم يتصد لهم أحد بهذه السرعة التى تم بها التصدى للمتظاهرين السلميين أمام مجلس الشورى.. الكلام عن مظاهرات الإخوان يذكرنا أيضا بالطريقة القديمة وهى بسبب الإخوان تم كسر قوة كل القوى السياسية الأخرى.. وبالمناسبة لم يتم كسر الإخوان، بل نموا وترعرعوا فى ظل النظام السابق.. أقصد نظام مبارك.. من يريد أن يتعامل وفقا لنظام مبارك للأسف لا يرى ولا يسمع ولا حتى يشم أن تحت الرماد نارا تنتظر.. ثم هذه السرعة فى تنفيذ القانون تعكس تلهفا للداخلية سيسبب لها أكبر الأذى وأوله القطيعة من جديد بينها وبين الثورة.. كل الناس تتذكر الآن كيف كانت الداخلية من أكبر أسباب الثورة على مبارك.. وكل الناس تندهش كيف حقا تريد الداخلية أن تكون كذلك مرة أخرى.. سيقول قائل إنها تنفذ القانون.. وإذا خرج الناس سلميا ضد القانون فلماذا تدافع أنت عنه ودورك الحقيقى هو الدفاع عن الناس وتأمينهم فى عملهم السياسى الذى صارت المظاهرات منذ يناير 2011 أبسط ظواهره.. للأسف من يتعجل هذا الدور من رجال الداخلية سيعيد الهوة بينها وبين الشعب ومن يوكل للداخلية منع الاحتجاج على القانون أيضا يفعل ذلك.. أيها الناس لا تضيعوا مجهود هذه الأمة فى الترهات.. قانون التظاهر تكفيه مادة واحدة أن التظاهر السلمى حق مكفول للمواطنين يسبقه إخطار بالموعد والمكان قبل 48 ساعة لتقوم الداخلية بتأمين المظاهرة، ولا ينتظر من ينظمها أى إجابة بالموافقة أو الرفض، فهذا ليس من حق أحد.. أيها الناس كفى إهدارا للوقت فى قضايا هى من المسلمات فى الحكم الرشيد.. أما الدولة الأمنية أو البوليسية فموضوع آخر ومن يفكر فى ذلك يكون أعمى لم ير يناير ولا يونيو ولن يرى للأسف.. تريدون للوطن الراحة ابعدوا وزارة الداخلية عن التدخل فى السياسة.
هضبة الأهرام:
باختصار لضيق المساحة.. ستتحول هضبة الأهرام إن لم تكن تحولت بالفعل إلى شارع فيصل، كانت المحلات ممنوعة فى العمارات فسمح بها وازدحمت الطرقات.. ادخل البوابة الأولى أو الثانية وانظر.. كانت المبانى أربعة أدوار غير الأرضى فصارت ستة وسبعة.. كان بها موقع بوليسى صغير فاختفى.. ملأتها التكاتك التى تقدمت فى الحركة وفى الأسعار لكن الأهم أن منها الآن أكثر من حادث سرقة.. توك توك محاط بالستائر السوداء تمتد منه اليد لتسرق حقائب السيدات.. حادثتان وقعتا الأسبوع الماضى فى يوم واحد.. لا أعرف لماذا تترك الجمعية التعاونية التى تملك الأراضى وتشرف على الأعمال بالهضبة، لماذا تترك التكاتك؟ ذات مرة ظهرت ميكروباصات صغيرة لنقل الناس الذين لا يمتلكون سيارات داخل الهضبة، وكان شكلها جميلا لبساطتها وأمانها، ثم اختفت من أجل حرية التكاتك.. هذا الكلام موجه للجمعية التعاونية لهضبة الأهرام، ولمجلس إدارتها، ولوزارة الداخلية التى سحبت رجال البوليس، ولحى الهرم إن لم يكن ميتاً!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي
كنا ننتظر من عقلاء الوطن دعم القانون لا انتقاده