فى عام 1772 قالت ملكة البرتغال دونا ماريا الأولى عندما قامت بتأسيس الأكاديمية الملكية للعلوم "إذا لم يكن عملنا مفيدًا، فإن المجد زائل"، هكذا كانت أفعال الإخوان على مدار عام، وهكذا زال ملكهم ومجدهم وتبدلت آرائهم حول نصر أكتوبر، وكأن عاصفة خماسينية عصفت بعقولهم وغيرت أقوالهم، فقد خرج علينا الرئيس المعزول محمد مرسى العام الماضى فى استاد القاهرة، يمتطى سيارة مبقورة الظهر يحيى أنصاره وعشيرته وقاتلى صاحب النصر الأول الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فى مشهد خارج إطار العقل والإنسانية والتقاليد العسكرية، وبدأت الإشادات تتوالى من جماعة الإخوان والقيادات الإسلامية فى ذلك الوقت بهذا النصر العظيم، وجنود مصر البواسل الذين صنعوا المعجزات وغيروا معالم المنطقة، وأوقفوا الطموحات الإسرائيلية والخطط البعيدة المدى للتوسع الصهيونى فى مصر وغيرها.
هذه الإشادات وقصائد المدح والثناء والاحتفالات الكبيرة تغيرت هذا العام، وتبدل الحال بأمر الواحد الديان وتحولت إشادات الإخوان والجماعات الإسلامية فى العام الماضى إلى قدح وذم وسوء ظن، وتقزيم وتحقير وتقليل وتضليل ومعايرة بالهزائم التى تعرض لها الجيش المصرى، وأنه لم يفعل شىء على مدار تاريخه سوى قتل الشعب وحماية السطلة، وكأن صاعقة أصابت عقولهم وآذانهم وأنستهم ما قالوه وما صدحوا به فى العام الماضى. إن هذا التغير فى آراء هؤلاء البشر يؤكد أن الجماعة وأنصارها كانت بين عدة خيارات، إما أنهم كانوا يكذبون ويتجملون ويفعلون مالا يؤمنون، وأما أنها كانت تحتفل بقتل السادات وخروج القيادات الإسلامية من السجون وليس احتفال بنصر أكتوبر لتكيد الجيش، ولكن خشيت أن تعلن عن ذلك صراحة، وأما أنها كانت مؤمنة بالنصر والاحتفال، ولكن لعنة السياسة جعلتها تغير أقوالها وأفعالها حسب المصلحة والموقف، فعندما كانت فى الحكم كان الرئيس المعزول يتباهى بالجيش ويقول للفريق أول عبد الفتاح السيسى لدينا رجال من ذهب، فى إشارة منه إلى السيسى. وعندما نزل السيسى على إرادة الشعب التى تتعارض مع رغبة الإخوان أصبح الرجال الذين كانوا من ذهب فى نظر الإخوان آثمون معتدون مغتصبون للسلطة، ويجب قتلهم والتخلص منهم.
بالرغم من التغير الذى يدعيه الإخوان والجماعات الإسلامية إلا أن ما فعلته العسكرية المصرية بالإيمان والعزيمة والإرادة فى عام 1973 سيبقى مصدر فخر لمصر والمصريين وإنجاز كان الجميع فى أشد الحاجة إليه.
نتمنى أن تكون احتفالات نصر أكتوبر هذا العام بشكل مختلف من خلال الإعلان عن خطط ومشاريع قومية يلتف حولها الوطن، وينشغل بها الناس ويشتغل فيها الشباب، لا نريد أن يخرج علينا شخص جديد على غرار محمد مرسى من سيارة مبقورة البطن أو الظهر، ويبدأ مسلسل الكلمات المعسولة ويتم صرف الملايين على احتفالات لعدة ساعات ثم يذهب كل واحد إلى حال سبيله، يجب أن يكون الاحتفال بداية جديدة للعمل التطوعى والجماعى والمشاركة الحقيقية فى التنمية والإصلاح، من خلال فرض عمل تطوعى إجبارى على المواطنين لعدة ساعات أسبوعيًا أو شهريًا، بحيث يكون بشكل منظم ترعاه الدولة وتلزم الجميع به وتعاقب من يتخلف عنه كما هو الحال فى دولة رواندا، التى كانت حتى وقت قريب تعانى من إسالة الدماء بين القبائل والفساد والانهيار فى كل مقومات الحياة مثلها فى ذلك مثل الكثير من الدول الأفريقية، ولكنها استطاعت أن تخرج من المحن وتلملم جراحها من الحروب القبلبية وتحول الصراع بين القبائل إلى طاقة إيجابية لخدمة الوطن عبر فرض وإلزام الشعب بالعمل التطوعى لمدة يوم فى الشهر، يتم من خلاله إشراك جميع أبناء الوطن فى النظافة العامة والتجميل وغيرها من الخدمات الأخرى، ومن يتخلف عن المشاركة يفرض عليه عقوبة مالية ومن يستمر فى المخالفة يحال للمحكمة. لذلك استطاع الشعب خلال سنوات قليلة أن يرى بلاده نظيفة ومبانيها جميلة وشوارعها مزينة، ليس عن طريق الحكومة وحدها بل بإرادة ومشاركة شعبية فاعلة.
نتمنى أن يكون الاحتفال بنصر أكتوبر انطلاقة لتحقيق نصر جديد يحتاجه الوطن للتخلص من الآلم والمحن ولعنة السياسة التى أصابت الجميع بالشطط والزلل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة