جميل أن يجتمع المثقفون ويتناقشون حول المستقبل، وجميل أن تكون «السلطة» بعيدة عن ترتيب النقاش، رغم حضورها الثقيل.. «ثقافة مصر فى المواجهة»، عنوان المؤتمر الذى استضافه المجلس الأعلى للثقافة لمدة ثلاثة أيام، وتختتم فعالياته اليوم. الأسئلة التى يطرحها المؤتمر ليست جديدة بالطبع، لأن الثقافة المصرية- غير الرسمية- طوال تاريخها فى المواجهة، مواجهة الإرهاب، والتطرف، والتطبيع، والتمييز، والسلطة الفاسدة.. الذين نظموا ودعوا إلى المؤتمر يشيرون إلى ضمير هذه الثقافة، بهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، ومحمد هاشم، ومجدى أحمد على، ومحمد عبلة، وشعبان يوسف، وسحر الموجى، على سبيل المثال. وجوه رائقة تستأنف المعارك التى بدأت منذ بدايات القرن الماضى، هذه الوجوه مع عشرات من المثقفين الأنقياء وقفوا ضد الإرهاب، وضد فاروق حسنى الذى تنامت فى عهده التيارات المتطرفة بشكل مخيف، وكان وجود هؤلاء فى اعتصام وزارة الثقافة- الذى كان له أثر عظيم قبل ثورة 30 يونيو- هو المعنى الكبير للاعتصام الذى سمح لوجوه غير ثورية أن تسوق نفسها كـ«ثورة». فى زحمة المشاهد وعبثيتها أحيانا، نسى كثيرون دور «أدباء وفنانون من أجل التغيير» منذ 2004.. الأوراق المقدمة، وطموح القائمين على المؤتمر، والحوارات، ووجود كل الخائفين على البلد أسباب كافية لإنجاحه، ولكن سياج الدولة العميقة قادر على حصار أى شىء يخص الثقافة الحقيقية. من حيث المبدأ أنا مع وجود وزارة ثقافة، ومع ضرورة دعم الدولة ورعايتها للفنون والآداب، ومع حق المواطن العادى أن يحصل على خدمات ثقافية مدعومة، ويشعر بأن الدولة معنية بالفعل بإشاعة المناخ الإبداعى فى كل أقاليم مصر، وهذا من الصعب تحقيقه مع حكومة كهذه.. فى كلمته الافتتاحية قال وزير الثقافة: «وزارة الثقافة تتحمل المسؤولية لتصل لجميع أنحاء مصر»، لم يترك للمعارضين لسياساته- أو لوجوده- فرصة ليقولوا الجملة التى قالها. كنا فى حاجة إلى وزارة ثورية يصدقها الناس، وزارة ترمم ما أفسده فاروق حسنى ومماليكه، وبلع الجميع الطُعم على أمل الخروج من الكابوس الإخوانى المعادى للثقافة، وكنا نعتقد أن رسائل الثورة وصلت إلى المسؤولين فى قطاعات الوزارة.. المبدعون والمثقفون هم الذين ينتجون الثقافة، وأنشئت الوزارة لأنهم موجودون، فى السنوات «الكتيرة» الأخيرة تحولت كل هيئات الوزارة إلى دور نشر، ومع هذا تصدر الكتب المهمة فى القطاع الخاص، أغلقت معظم المسارح، تم حصار السينما، قصور وبيوت الثقافة لها الله، ومع هذا يطالب وزير الثقافة وزارة الثقافة بتحمل المسؤولية لمواجهة الجهل. الثقافة المصرية لا يمكن اختزالها فى أسماء بعينها، لأنها أكبر من وزارة، وأكبر من حكومة، هى خط الدفاع الأول لحماية الهوية، هى مفتاح الخيال وحدائق الموهبة وصلابة البنيان، هى قوة مصر الناعمة التى يحاصرها الموظفون فى مصر. المؤتمر سيتم استثماره - بسبب استضافة الوزارة له - لكى تصل رسالة «كله تحت السيطرة»، وكما حدث فى عهد فاروق، الحشد ضد الإرهاب وضد التطبيع، قبل اليونسكو طبعًا. نجاح أو فشل المؤتمر ليس هو المهم، المهم هو أن نبدأ حوارًا جادًا بعيدًا عن السلطة الثقافية المحبة للسلطة، وتظل حركة «أدباء وفنانون» ورموزها فى الطليعة.. رغم غياب إبراهيم منصور، ومحمد البساطى، ويوسف شاهين، وتوفيق صالح، وإبراهيم أصلان، وعبدالهادى الوشاحى، ونزار سمك وغيرهم من الذين نذروا أعمارهم من أجل الاستقلال الوطنى، والحرية، وحق الاختلاف، وفوق كل هذا.. مصر المبدعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد يس
فساد في لجنة ترقية الجغرافية بالجامعات
عدد الردود 0
بواسطة:
دمحمد صابر
السوس ينخر في عضم لجنة الجغرفيا للترقيات