لن أخوض فى أزمة الدولار والسولار، فالأزمات تحاصرنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذه أيام أعياد صحيح لا يعترف بها جماعتنا وحلفاؤهم من التيار السلفى، لكننى من الأقلية التى تعترف بها لاعتبارات تتعلق بمحبة لا أنكرها لأهلنا الأقباط، بل كل الطوائف المسيحية، وشرف لا أدعيه أن أهتم بقضاياهم، فملايين المصريين يستحقون عشرات الكتّاب ليسلطوا الأضواء على واحدة من أكثر القضايا الملحة التى ينبغى أن تتصدر اهتمام الرئيس وبطانته.
سأكتب عن الغناء، نعم الغناء، وهو أيضا فن يؤثمه جماعتنا وحلفاؤهم، لكنى سأستند لآراء فقهاء مقربين من الإخوان كالشيخ القرضاوى مثلا، وأتوكل على الله، وأكتب عن ثلاث أغنيات يعرفها كل المصريين والعرب، الأولى هى رائعة أم كلثوم «ألف ليلة وليلة» التى كتب كلماتها مرسى جميل عزيز، وفى المقطع الأخير من الأغنية: يا قمر ليلى، يا ضل نهارى يا حبى يا أمى الهنية، عندى لك أجمل هدية، وما هى أجمل هدية؟ يقول مرسى: كلمة «وفى البدء كان الكلمة» كلمة الحب اللى بيها تملك الدنيا وما فيها، واللى تفتح لك كنوز الدنيا ديه، قولها ليا، قولها للطير.. للشجر.. للناس لكل الدنيا.. قول «ترددها سبع مرات ولهذا دلالته» قول الحب نعمة، مش خطية، الله محبة، الخير محبة، النور محبة، وهنا ذروة المعنى تتجلى فى عبارات قبطية صميمة، بدءا بالعبارة الشهيرة «الله محبة» ونهاية بالنور محبة، وربما لا يعرف البعض ما دلالة النور؟ ومن هى «أم النور» فى الإيمان المسيحى.
ومن ثومة إلى العندليب فى رائعته التى كتبها الخال الأبنودى «المسيح»، وكانت دعما للفلسطينيين فى عز اشتعال الصراع العربى الإسرائيلى، لكن تأملوا معى الكلمات التى كتبها مسلم ولحنها مسلم وغناها مسلم، تقول: «على أرضها طبع المسيح قدم، على أرضها نزف المسيح ألم، فى القدس.. فى طريق الآلام.. وفى الخليل رنت تراتيل الكنايس فى الخلا، صبح الوجود إنجيل» تصفيق هائل من الجمهور.. ويمضى حليم بكلمات الأبنودى قائلا: «تاج الشوك على جبينه وفوق كتفه الصليب، دلوقت يا قدس ابنك زى المسيح غريب.. غريب»، ويختتم قائلا: «ابنك يا قدس زى المسيح لازم يعود»، وتخيلوا أن يجرؤ شاعر على كتابة كلمات كهذه ويغنيها مطرب فى هذه الأيام، وما يمكن أن يحدث. أما الأغنية الثالثة فكلماتها من كتاب «النبى» لجبران، وترنمت بها فيروز، وسأكتفى بالمقطع الخاص بالمحبة: «إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها، إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها»، يصرخ الكورال قائلا: المحبة.. ترد فيروز: تضمكم إلى قلبها كأغمار حنطة، على بيادرها تدرسكم لتظهر عريكم، تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء، ثم تعدكم لنارها المقدسة، لكى تصيروا خبزا مقدسا، يُقرب على مائدة الرب المقدسة».
الآن وهنا فى مصر لا يجرؤ شاعر ولا مطرب على الكتابة بهذه اللغة، لماذا؟ لأن الطائفية توحشت وصارت عنوانا على المرحلة، فلم يكن لدى جيل آبائنا وجدودنا أى عقدة تجاه الأقباط كانوا متسامحين متصالحين، أما الآن فيمكنك أن ترصد أكواما من الفتاوى والكتب التحريضية الفجّة التى يعاقب عليها القانون لو كان هناك قانون ينفذ ضد الأقباط، وما أن تبدأ مناقشة مع تجار الكراهية وسماسرة الطائفية حتى تسمع منهم ما لم يقله مالك فى الخمر، ولا يملك المرء حيال هذا المناخ الكئيب إلا أن يقول: «الأقباط ليسو أعداءنا، بل شركاءنا فى المغنم والمغرم»، والله المستعان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة