تحدثنا الأسبوع الماضى عن «الميليشيات الإلكترونية»، ونواصل رصد «ظاهرة الميليشيات» التى تشهدها مصر، ربما للمرة الأولى منذ الاحتلال البريطانى، أن تؤسس فصائل سياسية ميليشيات خاصة بها، أو تنشئ ميليشيات دون أطر سياسية، وتتحول مجموعات لم تكن السياسة ضمن أولوياتها مثل «الألتراس» لميليشيات أخطر ما فيها أنها تفتقد لرؤية سياسية، فى مناخ سياسى محتقن، وجهاز أمنى مثقل بالأعباء ويتسم أداؤه بالسلبية، والبداية مع ميليشيات الإسلام السياسى، وفى صدارتها جماعة الإخوان، ومن المعلوم أن قادتها حاليا ممن ينتمون للتيار القطبى «نسبة لسيد قطب»، فالمرشد الحالى محمد بديع اتهم فى قضية قطب عام 1965 وحُكم عليه بالسجن 15 سنة، قَضى منها 9 سنوات، وبالتالى فالرجل تربى فى كواليس المنظمات السرية التى اتخذت مسارا راديكاليا، إثر الصدام الشهير بين الإخوان وعبدالناصر، وتشكيل كيان تنظيمى جديد، وبالأحرى جيل جديد من «النظام الخاص» كان سيد قطب عرابه الفكرى ليتبلور نهائيا عام 1965، ولا يتسع المقام لرصد الإرهاصات الأولى التى وضعها المؤسس حسن البنا لتشكيل «النظام الخاص» باقتراح الصاغ محمود لبيب، الذى كان مفتشا لفرق الجوالة حينذاك، وفى اعترافات عبدالمجيد حسن قاتل النقراشى باشا تفاصيل لطبيعة هذا التنظيم، وهيكله التنظيمى وتسليحه وتدريبه.. إلخ، وحتى لا تستغرقنا التفاصيل لنقفز لأواخر عهد مبارك، حين أصبحت الجماعة «دولة داخل الدولة»، إذ أصبح لديها ميليشياتها التى خرجت للعلن فى استعراض شبه عسكرى شهير نهاية عام 2006 بجامعة الأزهر.
حدث ذلك بالتوازى مع تنامى شركات الجماعة ومصانعها ومدارسها، ولم يبق سوى أن تقفز الجماعة على السلطة، وهو ما حدث بعد الثورة، فقد كانت الجماعة الكيان الوحيد المؤهل للتعامل مع المجلس العسكرى كما هو معروف. وما أن وصل الرئيس مرسى لسدة الحكم حتى تحولت الجماعة لـ«دولة فوق الدولة»، لكنها اكتشفت أن «الدولة العميقة» ممثلة بأجهزة الأمن وغيرها تستعصى عليهم، وأن تغيير قادتها ليس كافيا لضمان ولاء الأجهزة للجماعة، ومن هنا قفزت لذهن القيادة القطبية فكرة تأسيس «كيانات موازية» لحين الهيمنة على تلك المؤسسات السيادية، فاستلهموا خبرات الماضى، مع وضع متغيرات الواقع الجديد نصب أعينهم، وجرت إعادة هيكلة الجماعة لتشمل كيانات تلعب دور الشرطة أطلقوا عليها «اللجان الشعبية»، وأخرى لجمع المعلومات عن وقائع وشخصيات بعينها يمكن وصفها بجهاز مخابرات موازٍ، وثالثة تضطلع بمهمة حراسة مقار الجماعة وقادتها.
حدث هذا بالتزامن مع ظهور من يطلقون على أنفسهم «حازمون»، وهم أتباع الناشط السلفى حازم أبوإسماعيل واعتصامهم الشهير أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، ثم اعتدائهم على مقر صحيفة «الوفد» وغيرها دون محاسبة.
فى الجانب الآخر من المشهد ظهرت تشكيلات «الألتراس»، وهى فئة من مشجعى الفرق الرياضية معروفة بولائها المفرط لفرقها وتنشط بين عشاق الرياضة، وتعتمد «الألتراس» على التمويل الذاتى من خلال بيع منتجات مثل التيشيرت والأعلام والقبعات.. إلخ، وقد انخرطت فى الاحتجاجات الشعبية لتكون لاعبا سياسيا استخدمها كل القوى السياسية فى وقائع شتى، وأخيرًا ظهرت مجموعات يسارية راديكالية مثل «الاشتراكيين الثوريين»، بالإضافة لما يسمى جماعة «بلاك بلوك» التى قدمت نفسها بطريقة يكتنفها الغموض قائلة إنها «جزء من الكل فى العالم وتسعى منذ سنوات لتحرير الإنسان وهدم الفساد وإسقاط الفاشية الدينية «أى الإخوان» بذراعها العسكرية»، قصارى القول إن «ظاهرة الميليشيات» تمهد الطريق للاقتتال الأهلى، ومن هنا فإن المسؤولية تقع على عاتق السلطة الحاكمة بالبدء فى تفكيك هذه الكيانات من خلال دعم فعالية واستقلالية جهاز الأمن، وإلا فالقادم خطير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة