فى ظل الحملة الواسعة للانتقادات المستمرة والمتنامية للإخوان المسلمين وأدائهم السلطوى خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفى ظل التراجع الواضح لشعبيتهم، والذى ينكروه هم، ظهر اتجاه جديد على الساحة السياسية من المتعاطفين مع الإخوان الذين لا يجدون ردا على الانتقادات والاعتراضات على ممارسات الإخوان فى السلطة سوى كلمة "أعطوهم الفرصة"، هذا الاتجاه ينظر للانتقادات المتصاعدة ضد الإخوان على أنها عائق كبير يحول دون قيام الإخوان بمتطلبات الحكم على الوجه المطلوب، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن فترة المائة يوم الماضية لا تكفى لإعطاء أى حكم على أداء الإخوان فى السلطة.
بالقطع أن فترة الثلاثة أشهر لا تكفى للحكم على نظام يرث تركة ثقيلة بهذا الحجم، ولا أحد يطالب الإخوان بإنجازات كبيرة فى هذه الفترة، ولكن من الضرورى والمنطقى لأى نظام جديد يتولى الحكم أن يعلن فى الأيام الأولى من حكمه عن برنامج واضح وخطط محددة فى كافة الاتجاهات والمجالات، وأن يطرح أيضا آليات العمل والتنفيذ، وأن يتم مناقشة ودراسة هذه الخطط والبرامج بشفافية وعلمية وموضوعية من قبل جهات ومؤسسات متخصصة، وهذا لم يحدث فى مصر ولا توجد أى مؤشرات لحدوثه، وما شاهدناه خلال الأشهر الثلاثة الماضية هو نشاط مكثف للرئيس خارج مصر فى جولات فى مختلف أنحاء الأرض، وجميعها يغلب عليها الطابع السياسى والاهتمام بقضايا خارجية بعيدة عن طوفان المشاكل والقضايا المطروحة على الساحة الداخلية فى مصر، والتى تتفاقم وتنمو بشكل واضح دون أى مؤشرات أو مبادرات لحلول.
سلوك الإخوان فى الحكم خلال الأشهر الثلاثة الماضية لا يبعث على الاطمئنان، سواء من ناحية الاستحواذ الواضح على السلطات، وبقاء الدولة طيلة هذه الفترة بدون سلطة تشريعية برلمانية، ليحتكر الرئيس السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتفاقم المشاكل الأمنية، وخاصة الأمن القومى وما يحدث فى سيناء من اضطرابات وصدامات مسلحة لا يعرف الشعب تفاصيلها ولا من ورائها، ومحاولات قمع حرية الرأى والتعبير، واستخدام نفس اللغة والمفردات التى كان يستخدمها نظام مبارك لتشويه ومهاجمة كل من ينتقد النظام، وآخرها اتهاماتهم للمتظاهرين ضد السفارة الأمريكية بسبب الفيلم المسىء للإسلام بأن وراءهم جهات أجنبية، كذلك الخطوات المتعثرة والغامضة على الجانب الاقتصادى، مثل قرض صندوق النقد الدولى وشروطه المتعسفة والتى من المؤكد أنها ستسبب أزمات اجتماعية إضافية، وعدم الجدية فى السعى لجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية، مع غموض الأسباب والدوافع وراء البذخ السخى من دولة صغيرة مثل قطر فى وعودها بتوجيه عشرات المليارات من الدولارات للاستثمار فى مصر، ولماذا بالتحديد قطر دون غيرها من دول الخليج والدول الأخرى، علما بأن نواب فى البرلمان الفرنسى منذ أيام قليلة اعترضوا على دخول أموال من قطر فى استثمارات فى فرنسا، واعتبروها أموال مشبوهة.
لن أطيل فى انتقاد وسرد سلبيات حكم الإخوان فى الأشهر الماضية، فالمجال هنا لا يتسع، لكن ما أريد أن أقوله لحزب "أعطوهم الفرصة"، أن مصر ليست دولة صغيرة وحديثة لتكون حقل تجارب لعديمى الخبرة بالسياسة وشئون الحكم، وأن الأوضاع فى داخل مصر لا تحتمل إعطاء الفرص، حيث المشاكل تتفاقم وتتفجر بشكل يومى، والشارع المصرى يغلى، ولا توجد أى بوادر ولا مؤشرات لأى تحسن أو إنجاز قادم، ولا يمكن إعطاء الفرصة لمن لم يعلن عن خطط وبرامج عمل للمرحلة القادمة، ولا يمكن إعطاء الفرصة لمن لم يشهد منه الشعب سوى التكالب المسعور على الاستحواذ على السلطة وتهميش كافة القوى السياسية الأخرى فى البلاد.
الانتشار الواضح لحزب "أعطوهم الفرصة" يعكس بوضوح مدى تراجع ثقة الشارع المصرى فى الإخوان المسلمين وحكمهم للبلاد، فليس لدى أنصارهم ما يدافعون به عن التوجهات والسياسات الخاطئة والمشبوهة سوى الالتماس والتوسل بإعطائهم الفرصة، ولو كان لديهم أى إنجازات أو مؤشرات إيجابية لطرحوها فى مواجهة الانتقادات المتصاعدة ضدهم، ومن الواضح أن التيارات السياسية والاجتماعية المناهضة لحكم الإخوان يزداد عددها وتقاربها من بعضها فى تكتلات وتحالفات كبيرة، بينما يتناقص عدد أنصار الإخوان ومؤيديهم بشكل واضح، ومن المؤكد أن أعضاء حزب "أعطوهم الفرصة"، سيخفت صوتهم تدريجيا حتى يتلاشى فى الوقت القريب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة