مرحباً بعودة الشرطة والأمن والانضباط، ولكن ليس بممارسات وأساليب ما قبل الثورة، ولا أن يقوم الأمن بكل الأدوار نيابة عن أجهزة الدولة والحكومة والأحزاب والقوى السياسية، ولا أن يتصدى وحده لمشاكل العمال والطلبة والموظفين والمدرسين وأساتذة الجامعات وربات البيوت وأصحاب المعاشات، ولا أن تفض الشرطة المظاهرات والاعتصامات باستخدام القوة والعنف، ولا أن تعود حملات المرور الاستفزازية التى تعذب أصحاب السيارات تحت الشمس الحارقة، ولا أن يُهان مواطن فى قسم شرطة أو يتعرض للضرب والتعذيب، ولا غيرها من الممارسات التى خلقت حالة من الكراهية بين الشرطة والشعب.
أقول ذلك لأن الـ«فيس بوك» والمواقع الإخبارية ووسائل الإعلام تتحدث الآن عن تجاوزات وانتهاكات تقوم بها الشرطة، بصورة تقترب تدريجيا من الأجواء التى كانت سائدة قبل الثورة، وبغض النظر عن صحتها أو كذبها فهى تمهد الطريق لمرحلة جديدة من العداء بين الشرطة والناس، إذا لم يتم تدارك آثارها وإعلام الرأى العام بحقيقتها، فأعظم الحرائق تأتى من مستصغر الشرر. وأضرب مثلا بصفحة للنشطاء اسمها «كلنا محمد فهيم»، على غرار «كلنا خالد سعيد»، ترصد ما تعرض له مهندس شاب من سحل واعتداء على يد أحد ضباط الشرطة بالمنصورة، وما زال التصعيد مستمراً.
لنأخذ من أخطاء الماضى عبرة وعظة، فعندما يتصاعد ظهور الشرطة فى الشارع السياسى، وتعود طوابير سيارات الأمن المركزى إلى مواقع الأحداث، فهذا معناه أننا نستبدل العصا الغليظة بدلا من الحوار العاقل.. وعندما تتزايد الإضرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية، فهذا معناه أن العدالة الاجتماعية ما زالت غائبة.. وعندما يتم قمع طلبة جامعة النيل بالقوة، فهذا معناه أن زويل الصورة غير زويل الحقيقة.. وعندما يتحدث قادة «الحرية والعدالة» بنفس تبريرات كوادر «الوطنى» المُنحل، فهذا معناه أن اللعبة أشبه بالكراسى الموسيقية. فى مثل هذه الاحتقانات ليس منطقياً أن نعالج العرض ونترك المرض، ولا أن يختفى الجميع وتظهر الشرطة وحدها، وبقية المسلسل - طبعا - معروفة، كر وفر، وطوب وزلط، وقنابل مسيلة للدموع، وضرب وسحل، وفيديوهات وفضائيات، واعتقالات واتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وقوات أمن مستهلكة ومستنزفة ومرهقة فى الشوارع، وأعصاب متوترة من فرط التعب والإجهاد تؤدى إلى الانفلات، وفى النهاية يستسهل الجميع الحلول الأمنية.. و«كأنك يا أبوزيد ما غزيت».
مرحباً بعودة الشرطة والأمن والانضباط، ولكن ليس بأدوات وآليات الماضى، فالناس تغيروا وازدادت جرأتهم، ولم تعد أقسام الشرطة قلاع الخوف التى يخشون الاقتراب منها، وأصبح رجال الشرطة أنفسهم جزءاً من الحراك الذى تعيشه البلاد، ويضربون ويعتصمون ويحتجون ويطلقون لحاهم ولهم مطالب فئوية.. وهذا معناه أن الشرطة يجب أن تعيد صياغة قوانينها وهيكلة أجهزتها، لتتماشى مع التحولات الهائلة التى تحدث فى المجتمع.
لقد انتهى عصر الضابط القاسى غليظ اليد واللسان، وأصبحنا فى حاجة إلى رجل شرطة عصرى، يسير على الصراط المستقيم للقانون، لا يظلم ولا يضرب ولا يعذب ولا يسحل ولا يلفق التهم للأبرياء، ونحتاج شرطة تتعامل مع متغيرات العصر بأدوات العصر، وليس بعصا وانتهاكات الماضى وآلامه وأوجاعه، وإذا لم يحدث ذلك فقد تعود الشرطة، ولكن لن يعود الأمن!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة