نجحت إسرائيل على مدى السنوات الماضية فى تصدير الأزمات التى تسببت فيها للفلسطينيين والغزاويين على وجه الخصوص إلى مصر، واستطاع الصهاينة أن يضعوا مصر فى موقف محرج أمام الشعوب، وبعدما نجحوا إعلاميًّا من خلال أبواق عربية فى تحميلها مسئولية الحصار على الفلسطينيين وكأنها الدولة المحتلة، وليست الدولة الداعمة للقضية الفلسطينية، والتى خاضت الحروب وفقدت شبابها من أجل فلسطين.
لم يكن لهذه الأزمة أن تصل مصر لولا سياسة النظام البائد الذى وافق على الإملاءات الصهيونية بدلاً من المطالبة بحقوق الفلسطينيين والسعى لإجبار إسرائيل على منح الفلسطينيين حقهم فى الحياة والعبور إلى العالم عبر منافذها البرية والجوية والبحرية بدلاً من الموافقة على عبورهم إلى العالم من تحت الأرض.
لقد حرصت إسرائيل على تصدير أزماتها لجيرانها، فبدلاً من أن تصبح غزة أزمة دائمة ومشكلة يعجز عن مواجهتها العدو الصهيونى أصبحت "البعبع" الذى تخيف به إسرائيل مصر، والأداة التى تفعل بها ما تشاء على الحدود المصرية بحجة ملاحقة الإرهابيين.
أما الشعوب العربية والإسلامية فقد وقعت فى الفخ الصهيونى بتصدير أزمة غزة إلى مصر، لذلك كان العرب والمسلمون يهاجمون مصر ويكيلون الاتهامات لها بأنها تمارس الحصار ضد الغزاويين، بدلاً من أن يطالبوا إسرائيل بإنهاء الاحتلال ومنح الأرض لأصحابها، ولم يكن النظام البائد والعرب والمسلمون هم الذين سقطوا فى الفخ الصهيونى فقط، بل سقط فيه الغزاويون أيضًا فبدلاً من السعى لإجبار إسرائيل على أن يكون لغزة ميناءان بحرى وجوى وطريق للعبور إلى العالم أصبحوا يهاجمون مصر ويطالبون بحقهم فى إقامة الأنفاق، وكأن الأنفاق أصبحت الحق المسلوب، متجاهلين الدولة المحتلة التى يعيشون تحت وطأتها.
لقد نجحت إسرائيل فى ظل التواطؤ العربى خلال السنوات الماضية فى أن تجعل من مصر العدو الأول لغزة وكأن مصر هى التى تحتل فلسطين وتنهب خيراتها وتقتل شعبها وتصادر حريتها، وتحولت المواجهة إلى صراع بين مصر والغزاويين ووقف العدو الصهيونى يتابع الأحداث وكأنه ليس له علاقة بما يحدث.
وازداد الأمر سوءًا فى ظل تعامل النظام السابق مع الأحداث بسياسة التسكين بدلاً من المعالجة الجذرية حتى أصبحت سيناء ملاذًا لكل المارقين وساحة تمارس فيها كل الأعمال بعيدًا عن عينى الدولة المصرية التى اكتشفنا جميعًا أنها كانت دولة بوليسية ومخابراتية على المصريين فقط، من أجل حماية النظام البائد ولم تكن تدرك وتعى ما يدور على حدودها ويهدد أغلى بقعة من أرضها وتركت الساحة خالية للكل يعبث بها.
لم تكتفِ إسرائيل بسقوط مصر فى الفخ فى عهد المخلوع ولكن تعمل الآن على سياسة جديدة تحاول أن تظهر من خلالها أنها حامى الحدود المصرية والمدافعة عن الكرامة المصرية ضد الإرهابيين والغزاويين، فقد أعلنت أنها قدمت معلومات للسلطات المصرية عن عملية رفح ولكن مصر لم تتحرك، بل أكثر من ذلك أعلنت أنها قتلت عددًا من الإرهابيين وسلمتهم إلى مصر وأنها على استعداد لتقديم الدعم والمساعدة.
السياسة الإسرائيلية الجديدة تهدف إلى وضع الرئيس مرسى فى مواجهة مع الغزاويين كما كان الأمر فى عهد مبارك، وإنهاء شهر العسل بين حماس ومرسى لتبقى الحدود المصرية نقطة مشتعلة طول الوقت وورقة للضغط على القاهرة وإعاقة حركة البناء والتنمية فى سيناء.
لا شك أن للغزاويين الحق فى الحصول على دعم ومساعدة مصر، ولكن يجب ألا يتحول الصراع مع الصهاينة إلى صراع بين مصر والغزاويين على فتح الأنفاق وننسى جميعًا حق الفلسطينيين فى إجبار إسرائيل على فتح منافذ جوية وبرية وبحرية وليس فتح أنفاق لتهريب سيارات المصريين ومواد تموينهم المدعومة والدخول والخروج بشكل غير شرعى.
لقد أصبحت مصر محاصرة بأشياء كثيرة، منها اتفاقية كامب ديفيد التى تحدد قوات المصريين فى سيناء مقابل زيادة عددية كبيرة للإسرائيليين، وتراكمات وأخطاء النظام البائد، واعتبار الغزاويين أن الأنفاق عمل شرعى بديل عن مقاومة الصهاينة، ولكن الأخطر من ذلك أن المجلس العسكرى أصبح مشغولاً بالسياسة أكثر من انشغاله بتأمين حدود الوطن ومواجهة الدسائس التى يضعها الإسرائيليون لتبقى مصر بلا استقرار وتبقى سيناء مشتعلة حتى يضمنوا التحرك كيفما يشاؤون ويجبروا مصر على ما يريدون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة