كنت فى لبنان فى أواخر صيف 2010، وبينما كنت أمشى فى شوارع بيروت بمحازاة الجامعة الأمريكية القريبة من شارع الحمراء، لمحت على سور بناية شاهقة صورة مرسومة بالجرافيتى للرئيس المسجون محمد حسنى مبارك، اقتربت من الصورة لأرى ما كتب تحتها من حروف إنجليزية، كانت الحروف باهتة والطلاء الذى كتبت به غير واضح تماما، لكنى استطعت قراءتها بوضوح أصابنى فى مقتل، كانت الجملة مكونة من ثلاثة كلمات لا غير «مبارك قاتل الفلسطينيين».
شعور بالحسرة لا يعادله شعور، إحساس عميق بالمرارة وغصة أصابتنى فكدرت على اليوم، صرت أسأل نفسى لماذا هنا على أنفسنا، فهنا فى أعين الأخرين، وبرغم أنى كنت وقتها أكتب المقالات المعارضة لنظام مبارك وزبانيته لكنى شعرت بالغضب من وصفه بهذا الوصف الشنيع، وددت لو أنصر مبارك على شاتميه لكن قلبى لم يطاوعنى، لا أحد ينكر المساعدات الإستراتيجية الكبيرة التى قدمها مبارك لإسرائيل وإسهامه فى حصار غزة وتجويع إخواننا الفلسطينيين، وددت لو أتأسف لإخواننا عن جرائمه، لكنى تراجعت وقلت لنفسى «لماذا لا نتبرأ وخلاص»، حاولت أن ألتمس لنفسى العذر وأقول إن إخواننا اللبنانيين متحاملون عليه، فلم يكن مبارك وحده هو الخانع الراكع لإسرائيل وأمريكا، فلماذا لا يلومون غيره من حكام الخنوع العربى واكتفوا بشتمه على أسوار البنايات، ثم عدت لأرد على نفسى قائلاً: «كيف تسمح لنفسك أن تعتبر رئيس بلدك التى هى مصر مثل أى رئيس آخر، قدر مصر أن تكون الكبيرة وقدر رئيسها أن يكون قائد العرب، ومثلما يتوج القائد بالياسمين وينصب له التماثيل وتقام له الاحتفالات إذا انتصر، فكذلك ليس أقل أن يكلل بالعار إذا انهزم، وأن يكفن بالاحتقار إذا خان وهادن وساعد العدو».
كانت مصر كبيرة حتى فى مواقفها الصادمة، تناصر بشجاعة إذا ناصرت، وتخاصم بشرف إذا خاصمت، وهذا ما وعاه الشعب العربى جيداً، ولذلك كانت غضبتهم على مبارك كبيرة، ليس فقط لأنه كان دائم الخذلان لهم، ولكن لأنه كان دائما يصغر من مكانة مصر ومكانها، كانت مصر كبيرة على مبارك ورجاله، فبدلا من أن يحاول أن يرتقى إلى المكانة التى قفز إليها بالصدفة، ظل يصغر من مصر لتصبح على مقاسه الضئيل.
كل ما أرجوه الآن ونحن على مشارف انتخاب رئيس جديد لمصر أن نضع فى حسبانا أن نعيد إلى مصر مكانتها المفقودة بانتخاب مرشح يعرف قيمة مصر وتاريخها ويؤمن بقوة شعبها ويفتخر بالانتماء إليها، كل ما أرجوه أن نعرف أننا بانتخابنا لرئيس جديد فإننا نحكم على بلدنا باختيارنا، فإما أن نعيد إليها روحها المسلوبة أو نؤجل عودتها إلى ما شاء.
لا تلق بالا لمن يدعى أن كل المطروحين فى الساحة السياسية وكل المرشحين للرئاسة لا يصلحون المنصب الحساس، فتلك مقولة مغرضة لا يبتغى قائلها إلا بث روح اليأس من التغيير والعودة بنا إلى المربع رقم صفر، فقط حدق جيداً، واختر بعقلك واستفت قلبك ولو أفتوك، فكل الخيارات أمامك مطروحة وأنت الحكم، فهناك من يريد أن يعيد مصر إلى عصوره الحجرية، وهناك من يريد أن تبقى مصر كما كانت فى زمن مبارك، وهناك من يريد أن يعيد إلى مصر بهاءها ويسترد لها قوتها ويحافظ لها على ريادتها ويعيد الروح إلى فنونها وتاريخها وجيشها وشعبها.
سأنتخب حمدين صباحى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
كل سنه وانت طيب
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود حميد
سأنتخب محمد مرسي
علشان كل الي قولتة ده التعليق فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
رضا علوان
ولكن...
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
أحسنت