لعل قرار إبعاد د. أحمد شفيق من السباق الرئاسى، وإعادته مرة أخرى نموذجاً واضحاً وجلياً، يضاف إلى نماذج أخرى عديدة عن مدى تخبط، بل وضعف الأداء البرلمانى لمجلس الشعب خلال الشهور الثلاثة الأولى المنصرمة من عمره، والتى تكشف عن التعسف فى استخدام حق التشريع، والرغبة فى تصفية الحسابات، وتثير مخاوف من شعورالبرلمان بضعفه الذاتى أمام المجتمع، ورغبته فى إظهار الأمور عكس ذلك حتى ولو جانبه الصواب فى أدائه.
المعروف أن كافة مؤسسات الدول تتوقف عن إصدار أى تشريعات تتعلق بالانتخابات فور بدء العملية الانتخابية، غير أن برلماننا بادر من تلقاء نفسه، وبدلا من أن يرفض أى محاولة حكومية للمساس بالعملية الانتخابية الرئاسية، أطلق من نفسه "قانون العزل" ليصبح البرلمان المؤسسة المعنية بالتشريع هى المخالفة للقانون تحت ذريعة "حماية الثورة"، وهى فى حقيقة الأمر تحمى نفسها، ويحمى بعض النواب مرشحيهم من المنافسة مع الآخرين.
بل إن البرلمان تجاوز، وفى محاولة لإثبات وجوده وقوته وقدرته على التشريع أخطأ باعتماد تشريع موصوم بأسوء التوصيفات، حين أصدر قانونا شخصيا، يهدف للتعامل مع حالات محددة بالأسماء، بل إن بعض النواب فضحوا البرلمان بكلماتهم وتأكيدهم على هذه المعانى، واستدعاء الأسماء المقصود بها التشريع أثناء مناقشته.
تسعون يوماً فقد فيها البرلمان القدرة على التأثير أو إقناع الرأى العام فلجأ لأساليب الإثارة التى تلجأ لها التنظيمات الضعيفة أو الصحف الفقيرة لجذب الانتباه بالسعى للاشتباك مع القضايا الكبرى لا بهدف مواجهتها، ولكن بالسعى لاستثمارها السياسى أو الدعائى.
فى بورسعيد حيث المجزرة أطلق النواب صيحات الحرب، ودقوا الطبول، واخترعوا الاتهامات، ووجهوها لاتجاهات وأفراد، ونسى النواب أنفسهم، وتقمصوا أدوار جهات التحقيق، وشكلوا لجنة تقصى حقائق، جاء تقريرها بالطبع فى غالبيته مخالفاً لما انتهت له جهات التحقيق.
أراد البرلمان إثبات وجوده، فدخل معركة غير محسومة، بل وغير مفهومة مع النائب العام، وبغير معرفة، بل وبجهل بالقانون طالب النواب بإقالته، وأوصوا بذلك فاكتشفوا أنهم اصطدموا بالقانون وبالقضاء، واستقلال مؤسسته عن بقية السلطات.
فشل البرلمان فى تقديم نموذج للرأى العام على قدرته فى التصدى لمشاكلهم وتقديم حلول لها، فاخترع صداماً مع الحكومة هو فى حقيقته له أهداف أخرى تتجاوز فكرة إقالتها، وحاول استخدام هدف الإقالة لإثبات دوره الرقابى أمام الرأى العام وممارسته له، لكنه لم يتمكن.
الشاهد أن ما يجمع بين كل ما سبق ذكره، هو محاولة البرلمان مغازلة الرأى العام فى قضايا لها حساسيتها وتأثيرها على وجدانيات المواطنين، وهى محاولات لم يكتب لها النجاح بسبب الجهل بأساسيات كل معركة على حدة، ومدى القدرة على خوضها، وإذا ما كان القانون يسمح بها أصلا، وبمعنى أدق معرفة النواب بحدود دورهم ومهامهم وفقا للقانون.
ثلاثة شهور عجز البرلمان خلالها على تقديم نموذج يثبت وجود استراتيجية واضحة يعمل من خلالها، وعلى أساسها لبلوغ مستهدفات محددة وواضحة، تمثل أولويات لاحتياجات الناخبين قدرة نوابه على ممارسة دورهم التشريعى، بل إن تصريحات العديد من النواب أشارت لخطأ ارتكبوه حينما لم يتنبهوا مبكرا لإعداد قانون العزل فى بداية الدورة، جاءت دليلاً على غياب التخطيط داخل البرلمان.
تسعون يوماً من عمر البرلمان أكدت عدم قدرة الأكثرية على صياغة سياسة تشريعية واضحة، قدر ما كشفت عن استمرار سياسات وأساليب التنظيمات السياسية المعارضة فى الانتقاد والهجوم واتهام الآخرين بالمسئولية عن الأخطاء والمشكلات.. فى حين تناسى نواب الأكثرية أن دورهم تحول من توجيه الانتقادات إلى تلقيها بحكم مسئوليتهم الأساسية عن التشريع.
تسعون يوما من عمر البرلمان أكدت أن برلماننا فى حاجة إلى تأهيل وتدريب على رسم وتخطيط العملية التشريعية.. وأن نوابنا فى حاجة إلى تأهيل وتدريب على الأداء التشريعى والرقابى.. أخشى القول أننا فى حاجة إلى برلمان جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة