التغيير سنة الحياة وفلسفة الكون وأهم أدوات التطور، والتاريخ «يعيد نفسه» هى مقولة خاطئة، ولأن معنى «التاريخ يعيد نفسه» هو توقف الإنسان وحركته فى حالة ثبات عند حدود بذاتها، فيعيد تكرار الواقع، فيتجمد الفكر ويخمل العقل ويتوه التطور من الأمام، ولكن عندما تتشابه الأحداث فى شكلها ولا تتطابق فى مضمونها نتصور خطأ أن النتائج ستتطابق وتكتمل حلقة إعادة التاريخ، والآن المشهد السياسى الساخن والمتوتر بين جماعة الإخوان المسلمين وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذى ينبىء بصدام والكلام حول إعادة أحداث 1954 التى كانت بين الإخوان وبين مجلس قيادة ثورة 52 خاصة بعد تلك البيانات الساخنة المتبادلة بينهما كنوع من محاولة كل منهما كسر إرادة الآخر والحصول على أكبر المكاسب منه، وهنا يمكن أن تكون استعادة أحداث 54 فى الشكل والاختلاف فى المضمون، والاختلاف هنا كبير، فبالنسبة لمجلس قيادة الثورة فقد كان تنظيما ثوريا يحمل مبادئ تغيير ثورى، وقد امتلك السلطة فحولها إلى سلطة ثورية، وقد أعمل هذه السلطة فى تطبيق مبادئه فى غضون أقل من شهرين من ثورة 52 بقانون الإصلاح الزراعى الذى دشن طريق العدالة الاجتماعية، وفورا بما جعل الجماهير تلتف حول مجلس قيادة الثورة وتتحول الحركة إلى ثورة تحميها، أما المجلس الأعلى فهو لم يكن له علاقة بالثورة ولم يشارك فيها، ولكن لغياب التنظيم الثورى وأمام الأمر الواقع ولثقة الجماهير فى المجلس بعدم وقوفه مع مبارك ثم تسليم المجلس إدارة المرحلة الانتقالية، ولم يحول السلطة إلى ثورية، بل لم يتعامل مع الثورة حتى كحركة إصلاحية، والأهم أنه قام بدور المسهلاتى والممهد طريق وصول الإخوان إلى السلطة متحديا الرأى العام، وتصريح دكتور على الغتيت على لسان د. سليم العوا بأن المجلس الأعلى كان قد كلف د. العوا بالدعوة إلى التصويت بنعم فى الاستفتاء فى طول البلاد وعرضها، فكان هذا ومازال فرصة وغنيمة للإخوان للاستحواذ على الشارع باسم الدين، الشىء الذى مكنهم مع التيار الإسلامى من أغلبية البرلمان بغرفتيه، حتى أنهم استعلوا على الجميع ويطالبون الآن بحكومة بديلة لحكومة الجنزورى، ويضغطون بترشيح رئيس جمهورية بعد إعلانهم رفض ذلك طوال الوقت، كل هذا بعد استيلائهم على أغلبية لجنة إعداد الدستور بما يعنى تفصيل الدستور على مقاس الجماعة، وللأسف فقد كانت هذه المكاسب الانتهازية لمصلحتهم الحزبية الضيقة على حساب الثورة نظير قيامهم بمساندة المجلس العسكرى فى مواجهة الثوار وشرعية الميدان، ولذا فالمشهد غير المشهد، فهنا مجلس عسكرى ليس ثوريا، بل فى ظاهر الأمر يبطل الثورة ويسهل للإخوان ما يريدون، فهو لا يملك الجماهير التى تحمى ظهره عند المواجهة، وهناك جماعة الإخوان ومنذ تأسيسها عام 1928 حققت الحلم وجسدت الخيال وحصلت على أغلبية البرلمان ورئاسة مجلس الشعب فى الوقت الذى لم يستطع المرشد المؤسس أن ينال عضوية البرلمان، كما أنها وباسم الإسلام وعن طريق دغدغة العواطف الدينية قد استطاعت التمكن من حشد الشارع عند اللزوم كورقة تلعب بها عندما تريد، ولذا فأى مواجهة بين المجلس والإخوان هى مواجهة فاشلة، فلن يكسب منها أحد، بل سيخسر الجميع وعلى رأسهم الشعب والثورة، كما أن المتغير الأساسى والأهم فى هذا المشهد هو كسر حاجز الخوف لدى الجماهير، وهذا هو أهم مكاسب الثورة، مما جعل هناك مكانا ومكانة للرأى العام شاء من شاء وأبى من أبى، حتى أن هذا الرأى العام هو الذى أجبر المجلس على تحديد موعد لتسليم السلطة إلى مدنيين، وهو الرأى العام الذى رفض ويرفض وسيرفض ممارسات التعالى والغرور التى يمارسها الإخوان، ولذا فليتريث الجميع ويعلم أن مصر لن تكون إرثا لأحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة