مقولة شهيرة كانت تتردد فى الحياة السياسية فى مصر قبل ثورة يوليو عام 1952، عندما كان حزب الوفد يمتلك الشعبية الكبيرة من شمال مصر إلى جنوبها، كان هناك شعار يقول "لو رشح الوفد حجرًا لانتخبناه"، وعلى ما يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين الآن قد غرها فوزها الكبير فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، فاعتقدت خطأ أن مرشحها للرئاسة سيفوز لا محالة، أيا كانت مواصفاته الشكلية والموضوعية، فقط يكفيه أنه مرشح الجماعة، وهذا ما اتضح فى اختيارهم للمرشح الحالى محمد مرسى، هذا الاختيار الذى اعتبره الكثيرون، بمن فيهم من الإخوان والسلفيين، مجازفة وعدم وعى بطبيعة الناخب المصرى، ويعكس فى نفس الوقت انقسامات وخلافات ومشاكل كثيرة داخل صفوف الجماعة.
هذه الخلافات التى ظهرت على السطح ونقرؤها جميعا على صفحات الفيس بوك الخاصة بفرق وطوائف من جماعة الإخوان، وكذلك فى الحملة الشرسة، التى تشنها قيادة الجماعة على المرشح للرئاسة "عبد المنعم أبو الفتوح" الإخوانجى الذى شق عصا الطاعة على المرشد وقيادة الجماعة الذين رفضوا ترشحه للرئاسة مبررين ذلك للعامة بأنهم قرروا عدم المشاركة فى انتخابات الرئاسة، ثم عدلوا "كعادتهم" عن قرارهم.
اختيار الجماعة لمرسى، فى رأيى، يعكس خللا فى الوعى السياسى والاجتماعى أيضًا لدى قيادة جماعة الإخوان، واختياره لرئاسة حزب الحرية والعدالة "الجناح السياسى" لجماعة الإخوان جاء نتيجة توازنات وتكتلات داخل الهيكل الأعلى للجماعة لا تعرف عنها قواعد الجماعة الشعبية أى شىء، بل هى أسرار غامضة أشبه بأسرار المحافل الماسونية، وهذا ليس تجنيًا منى على الجماعة، بل هذا ما نقرؤه الآن على صفحات الفيس بوك الخاصة بشباب الجماعة أنفسهم الرافضين لقرارات قيادتهم التى تفرض عليهم بدون مناقشة، والذين يتعرض بعضهم للعقوبات الداخلية فى الجماعة نتيجة رفضه أو انتقاده لقرارات القيادة.
محمد مرسى يفتقد للجاذبية الجماهيرية، وهى أهم عناصر "الكاريزما" الشخصية، والتى تلعب دورًا كبيرًا فى الانتخابات، لدرجة أن الشخص قد يكون عليه تحفظات سياسية هامة ومحورية، لكنه يتمتع بالجاذبية الجماهيرية، ومثال على ذلك مرشح الرئاسة "عمرو موسى"، الذى اقترب من الثمانين من عمره، والذى ارتبط تاريخه السياسى بالكامل بنظام الرئيس المخلوع مبارك، وليس له أية إنجازات سياسية تذكر، بل على العكس، يشهد الجميع بأن أسوأ عهود الجامعة العربية هى عهد عمرو موسى، الذى شهد انشقاقات لا حصر لها بين العرب وصلت لدرجة دعم دول عربية، بقرارات من الجامعة، لقوى أجنبية فى ضرب دول عربية أخرى، ورغم هذا وغيره الكثير، نجد كثيرين يؤيدون موسى كمرشح للرئاسة، وذلك لامتلاكه كاريزما شخصية.
وعلى ما يبدو أن مرشح الإخوان محمد مرسى لا يعرف معنى "الكاريزما"، بدليل أنه قال فى مؤتمر صحفى بأنه يملك "كاريزما" جعلت الجماعة تختاره، وهذا أمر مضحك للغاية أن يقول شخص عن نفسه إنه يملك كاريزما شخصية، وكأنه يقول "اختارونى لأننى جميل"، فالكاريزما صفة يطلقها الآخرون على الشخص ولا يجوز مطلقا أن يطلقها شخص على نفسه.
الاستقبال الذى قوبل به مرسى فى جامعة المنصورة منذ أيام، والذى عبر فيه شباب الجامعة عن رفضهم له كمرشح للرئاسة رغم دعم خيرت الشاطر وحشد من جماعة الإخوان له، يعكس بشكل عام حالة عدم قبول للشخص ذاته أكثر منه رفضا لمرشح الإخوان، وربما لم يكن هذا ليحدث لو كان المرشح هو خيرت الشاطر الذى يتمتع بشىء من الكاريزما.
محمد مرسى صاحب تاريخ سياسى محدود ومتواضع، وحضوره الجماهيرى ضعيف للغاية، ورفعه لشعار "الإسلام هو الحل"، الذى تخلت عنه الجماعة "تكتيكيا" فى هذه المرحلة يعكس ضعف خبرته السياسية، ولن تستطيع قيادة الإخوان إقناع أعضاء الجماعة بانتخابه للرئاسة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة