حازم منير

دولتان لا تلتقيان ولا ثالث لهما

الخميس، 19 أبريل 2012 09:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنتج استفتاء مارس على الإعلان الدستورى مشهدا سياسيا غير قابل للتغيير أو التعديل، مهما اختلفت المعطيات أو تبدلت المواقف أو اختلفت الرؤى وتباينت الحلول.

ففى مصر دولتان اثنتان لا مجال للخلط بينهما أو لتحقيق التوافق فى معطياتهما وأساسهما النظرى والفكرى، ولا إمكانية للخلط التشريعى وإقامة نظام سياسى مزدوج منهما معًا.

فى مصر مشروعان سياسيان.. إما الدولة المدنية أو الدولة الدينية.. ومن غير الصحيح الادعاء بعدم وجود دولة دينية فى الإسلام، فقد كانت موجودة.. وهى غير دولة رسولنا صلى الله عليه وسلم.. إنما هى الدولة التى تلت الخلفاء الأربعة فأنتجت ظواهر عديدة انتهت فى مجملها إلى إقامة الدولة الثيوقراطية لعهود وحقب طويلة جرى خلالها وبوعى الخلط بين الدين وشئون الدولة لمصلحة التيار الحاكم أو الأسرة الحاكمة.

الدولة الإسلامية "الدينية" مشروع معلن فى مصر لا يستتر أصحابه خلف حجاب أو وراء ساتر يتدثرون به أو يختفون وراءه، إنما هم يعلنونه دون خجل أو مواراة، وهم يسعون إلى تحقيق مشروعهم الإسلامى ويدعون له فى كل تصريحاتهم الإعلامية والدعائية لأنشطتهم، ومشروع النهضة عند الشاطر هو مشروع النهضة الإسلامية، وهو لدى هيئة كبار العلماء اسمه مشروع الدولة الإسلامية.

ليس غريبًا أن تنطلق ترشيحات التيارات المسماة بالإسلامية لرئاسة البلاد من كل اتجاه، فهذا من السلفيين وثان من الإخوانيين وبديله جاهز وثالث من المنشقين- أبوالفتوح مختلف مع قادة التنظيم وليس التنظيم- ورابع من المعتدلين المستقلين، لكن جميعهم يتحدثون عن النهضة الإسلامية ومشروع الدولة الإسلامية، وكلهم يلتقون هيئة كبار العلماء ليطرحوا عليهم برنامجهم الانتخابى فى محاولة للاستئثار بإعلانها تأييد أيهم فى الانتخابات مرشحا وحيدا للتيار الإسلامى فى انتخابات النهضة الإسلامية.

بالمناسبة كل المصطلحات السابقة والتسميات السابقة ليست من عندى وإنما هى تسميات ومصطلحات أطلقوها هم من أنفسهم.

الغرض إذن لدى التيارات المسماة بالإسلامية أن تضع مصر على قاعدة الدولة الإسلامية، وأن تشكل من هذه القاعدة الإطار العام لكل المنافسات، فى هذا الإطار كانت منافسات السيطرة على البرلمان، وفى السياق ذاته محاولات السيطرة على تأسيسية الدستور، ثم محاولات قنص رئاسة الحكومة، وبعد الفشل فيها الاتجاه للاستئثار برئاسة الدولة، ومنها يتم اقتناص الحكومة فتدين كل مصر للدولة الدينية المسماة بمشروع النهضة الإسلامية.

فى المقابل تأتى الدولة المدنية، والقوة الداعمة لهذا المشروع وإن كانت فاقدة للعديد من الإطارات والقواعد المطلوبة للتعامل معها باعتبارها مشروعا جاهزا للدولة المدنية منافسا للدولة الدينية، إلا أن ذلك لا يمنع من الحديث عن جماعات وتجمعات وحركات وأحزاب تسعى لتأسيس دولة مصر المدنية الحديثة، وتكافح من أجل إفشال مخطط الدولة الدينية.

الشاهد أن أنصار الدولة المدنية لا يمتلكون تصورا متكاملا جاهزًا للدولة، وهم رغم اقترابهم من نفس حالة الخلاف بين أنصار الدولة الدينية، إلا أن خبرة الأخيرين وأقدميتهما وإمكاناتهما القوية تساعدهما على التقارب واستثمار الفرص المتاحة أكثر وأسرع وأعمق من أنصار الدولة المدنية.

الشاهد أيضًا أن أنصار الدولة المدنية، وإن كان من الصعب الحديث عن امتلاكهم قدرة تأسيس دولتهم، إلا أن المؤكد امتلاكهم قدرات متنوعة تتيح لهم وبنجاح عرقلة مشروع الدولة الدينية ووضع العراقيل أمام تواصله، وهو ما تسعى قوى الدولة الدينية مؤخرا للالتفاف عليه بمبادرات جديدة تستهدف العودة مرة أخرى لمواصلة طريق بناء المشروع الإسلامى.

مشروع الدولة المدنية لا يقصى الأديان ومبادئ الشرائع السماوية من مكوناته، فالدول الحديثة فى التعريفات العلمية المنتشرة هى تلك التى تستطيع تحويل الأديان إلى طاقات خلاقة مبدعة فى إطار رؤية مستنيرة وليست رؤية رجعية استثمارية للدين فى توظيف طاقات الناس وإنتاجهم لصالح دولة العمائم.

حديث الخلط أو التوافق بين الدولتين وهما أو خداعا، هو وهم فى أذهان وعقول المثاليين المخدوعين بشعارات الطرف الآخر، وهو خداع فى عقول وأذهان من يفهمون جيدا إلى أين تتجه مصالحهم وكيف يحققونها وما هية وسائلهم للوصول إلى الغايات المرجوة وتنفيذ الأهداف المطلوبة.

البادى أن مظاهر سلبية عديدة وسهاما متلاحقة أصابت أصحاب المشروع الإسلامى فى الصميم جراء الهرولة والاندفاع بهدف حرق المراحل وخطف الدولة تحت جناح المشروع، والبادى أيضًا أن المدنيين على كثرة مشاكلهم الذاتية تمكنوا من اكتساب خبرات وقدرات وانتشار خلال الآونة الأخيرة تتيح لهم الوعى بمناورات ومخططات هؤلاء ومحاصرتها.

المهم الآن كيف سيبدو الأمر فى المستقبل القريب.. وهل سينجح طرف فى خداع الثانى لاستكمال مخطط المشروع الإسلامى؟؟ أم سيتنبه الثانى وينجو من محاولات الخداع ويواصل الضغوط الشعبية لبناء دولة مصر المدنية الحديثة؟؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة