هل قررت "جماعة الإخوان" مساومة "العسكرى" برأس الجنزورى، والطعن المقام أمام المحكمة الدستورية العليا، مقابل عدم التقدم بمرشح رئاسى؟ خصوصاً أن مبررات تغيير الجماعة لموقفها بعدم الترشح للرئاسة لا يقوم على أساس كون المتغيرات التى يستند عليها غير حقيقية، أم أنها قررت فعلاً خوض غمار أم المعارك؟.
الشاهد أن الجماعة نفسها لا تملك أساسا قانونياً حتى الآن لتقحم نفسها عنوة وعلانية وبالصورة المطروحة على الرأى العام، فى خصوص الانتخابات الرئاسية، فى الوقت الذى تتعمد فيه دفع حزب الحرية والعدالة لخلفية الصورة بدلا من صدارتها.
لا يمكن لأى مسئول بالدولة أن يتحدث الآن عن موقف قانونى للجماعة، فهى لا تتبع قانون الأحزاب بالطبع، وهى لا تتبع قانون الجمعيات الأهلية أصلا، ولا يمكن توقع تسجيلها واعتمادها تحت سلطة قانون الشركات، ولو كانت كذلك فهى مطالبة بحكم القانون بتوفيق أوضاعها لتتساوى مع الجمعيات الأهلية، وهى ليست جمعية غير هادفة للربح، وحتى لو كانت خاضعة للقانون المدنى فهذا يلزمها بالخضوع لسلطة الدولة والالتزام بحدود نشاطها.
الحالة الوحيدة التى تجيز للجماعة التقدم بمرشح رئاسى أن تتبع قانون الأحزاب، وغير ذلك يحظر عليها، كتشكيل وكهيئة أن تدعم حزبا فى انتخابات عامة، أو تتقدم بمرشح لانتخابات عامة، واللافت هنا أن الجماعة خالفت ذلك فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتخالف ذلك الآن فى الانتخابات الرئاسية المنتظرة.
السؤال هو.. هل قررت الجماعة الخروج من خلف الستار والمشاركة علانية فى الجدل السياسى، وإعلان أن المرحلة السابقة كانت تلعب خلالها بكارت الحزب السياسى والجماعة الأهلية، وأنها قررت إنهاء هذه المرحلة، وإعطاء الأدلة على أنها فوق القانون، وقادرة على تحديه، وأن الحزب مجرد واجهة وليس ذراعاً سياسياً كما كانت تفضل القول.
الأرجح أن الجماعة قررت ذلك فعلا، وتحدت الجميع، وقبلهم القانون، للاستحواذ الكامل على كل عناصر السلطة، تمهيدا لانقلاب حقيقى على الديمقراطية، وتطبيق قانون الجماعة الداخلى بكل تفاصيله على كل أوجه الحياة، وحديث السيد محمد بديع، مرشد الجماعة، الأحد الماضى فى كفر الشيخ يؤكد ذلك.
السيد بديع يقول "الظروف الراهنة، جعلتنا نعيد النظر فى كلام قلناه، سابقاً بأن الجماعة لن ترشح أحدا ليكون رئيساً لمصر"، مشددا أن "تغيير القرار لم يكن هدفه أن تكون السلطة لنا، ولكن لابد من إنقاذ مصر".. بترشح إخوانى لهذا المنصب "منقولاً نصاً من الكلمة.
السؤال هل ساق الله الجماعة لتنقذ مصر من أزمتها؟ ومنحها وحدها دون غيرها هذه القدرة؟ وهى القائلة قبل الانتخابات بمنطق المشاركة للخروج من الأزمة التى تتجاوز قدرات كل تيار على حدة!! وهل لا يوجد بين هذه الكوكبة من المرشحين الرئاسيين القادر على قيادة مصر للخروج من الأزمة، بينما مرشح الجماعة المنتظر هو القادر على ذلك؟ أم أن كوكبة المرشحين أيضا من "أعداء الثورة والقوى المضادة لها" حسب النغمة السائدة لتبرير أى فعل والتبرئة من أى فعل؟
يبدو اننا أمام عدة سيناريوهات.. الأول يقوم على تخطيط الجماعة لانتهاز فرصة حالة الارتباك والتخبط المسيطرة على المشهد السياسى وتنفيذ رؤية كانت مؤجلة، واقتناص كل عناصر السلطة، من خلال القفز على المنصب الرئاسى، وبعده الوزارى مع السيطرة على جمعية الدستور لتأسيس الدولة البرلمانية، وإحكام إخضاعها تماما لهيمنة الجماعة، كمرجعية أعلى والحزب كواجهة سياسية فى التعامل مع الآخرين داخليا وخارجيا.
السيناريو الثانى مساومة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على رأس الجنزورى، بعد فشل الجماعة فى إطاحته وحكومته، مما تسبب فى اهتزاز صورتها أمام الرأى العام، وخوف قادة الجماعة من تحمل نتائج الأزمات المتتالية التى يمر بها المجتمع، فضلا عن فشلها المتكرر فى العديد من الملفات التى أثارها الحزب تحت القبة، ولم ينجح فى إكمال أى منها لنهاية المطاف.
السيناريو الثالث إن الجماعة تسعى بتصعيد ضغوطها السياسية إلى اقتناص منصب رئيس الحكومة عبر مطالب برلمانية ترسخ مبدأ حق البرلمان فى إقالة الحكومة، وتعيين رئيسها الجديد، واعتبار ذلك أساساً للدولة البرلمانية أو على الأقل ترسيخ المبدأ فى الدولة الرئاسية، بما يسمح للجماعة استعادة نفوذها وصورة الرجل القوى مرة أخرى مرحليا، وموقف الصدارة مستقبليا.
السيناريو الرابع أن الجماعة قررت خوض غمار معركة الاستيلاء على مصر، وإعلان دولة الإمامة أو الخلافة "سَمِّها كما شئت" بعد شعورها بتضييق الخناق عليها من كل القوى السياسية دون استثناء فى مواجهات الجمعية التأسيسية، وفى رفض "العسكرى" تغيير الحكومة والاستجابة لضغوط الجماعة، والذعر الذى أصابها من مجرد ترديدات صحفية حول حكم مزعوم بحل البرلمان فى أدراج المحكمة الدستورية العليا سيطيح بأحلام تحققت بالسيطرة على البرلمان.
السيناريو الخامس أن الجماعة قررت إنقاذ نفسها على حساب المصلحة الوطنية بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، بعد تصاعد الضغوط الداخلية على قيادتها، إما بتأييد د. عبد المنعم أبوالفتوح، أو التقدم بمرشح من بين صفوفها، ويعكس الاتجاه للتقدم بمرشح "إخوانى" الإجراء الحاسم للجماعة، بتفضيل مصالحها الذاتية وانحيازاتها الأيديولوجية على حساب المصالح العامة، وهو ما اعتادت الجماعة تبنيه فى الأزمات.
الشاهد مرة أخرى أنه ليس كل سيناريو من الأربعة قائماً وقابلاً للحدوث فقط، إنما الشاهد ثانيا أن الجماعة قررت إزالة كل الأقنعة، وإعلان دخولها مرحلة مواجهة الجميع وتحدى القانون، بعد أن أصبحت كل القوى السياسية فى جانب والجماعة فى جانب آخر.. وهو تكرار لذات المشهد فى نهاية عهد الحزب الوطنى.. والشاهد ثالثا أن حزب الحرية والعدالة لم يعد الذراع السياسية للجماعة، وإنما تحول للواجهة السياسية بعد أن فقد دوره ومقومات وجوده المستقل فى المستقبل. والشاهد رابعا وأخيرا أن القاسم المشترك الأعظم فى السيناريوهات الأربعة هو الحفاظ على مصالح الجماعة وتفضيلها على ما عداها.
مازال تصحيح الموقف قائماً أمام قادة الجماعة بالعودة إلى الصواب، والرجوع إلى تعهداتها بالامتناع عن الإقصاء، وبتبنى سياسات المشاركة والعمل الجماعى على حل أزمات الوطن، فالرجوع للحق فضيلة، وليس ضعفا أو هزيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة