مجموعة من المظاهر الغريبة تحيط بالمشهد السياسى المصرى وتدعو للتوقف والانتباه وتحفز على بذل الجهد لفك طلاسمها، ربما تتيح فك الخيوط المتداخلة وحلحلة الخلافات المتفاقمة المتصاعدة و المتجهة صوب الانفجار.
من الصعب الجزم بأن جماعة الإخوان المسلمين، وهى غير شرعية حتى الآن لعدم توفيق أوضاعها وخضوعها للقانون العام، تدير مجموعة من خيوط المشهد دون أن تدرك أنها تدفع بالأمور نحو التأزم سواء لغيرها أو حتى لنفسها.
فالجماعة وعلى خلاف المقرر لها من أنشطة بعد إعلان الحزب وخوضه الانتخابات وتحقيقه هذه النتائج المذهلة مازالت تصمم على الإمساك بقيادة الحزب وتوجيهه ناحية ما تريد بغض النظر عن قبول قادته وكوادره لذلك من عدمه.
الجماعة تدفع بنفسها لواجهة الصورة وتعلن دعوتها لتبنى فكرة الرئيس التوافقى، رغم أن هذا الأمر من شأن ومسئولية الحزب الذى يدير الأمور السياسية ويطلق عليه إعلاميا الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لكن الجماعة لا تتوقف عن الدفع بالحزب جانبا لتتصدر بدلا منه فى القضايا السياسية.
الجماعة تعلن أنها تدرس إمكانية تشكيل الحزب لحكومة ائتلافية انتقالية، وأنها تدرس بل تحذر من إمكانية سحب الثقة من الحكومة، رغم أن ذلك مسئولية الحزب وأغلبيته البرلمانية الشرعية، والجماعة تعلن أنها تجرى اتصالات للاستقرار على اسم المرشح الذى ستدعمه فى انتخابات الرئاسة وهى تعلم أن التحالفات السياسية من مسئولية الحزب.
الجماعة تعلن رفضها وإدانتها لسلوك التعامل مع قضية التمويل الأجنبى وإلغاء قرار منع سفر المتهمين الأمريكيين فى القضية، وهى تعلم أنها مسئولية الحزب سياسيا ورقابيا عن طريق هيئته البرلمانية فى مجلسى الشعب والشورى.
الجماعة تدفع بالأمور للتأزم من خلال حملاتها على الحكومة المسنودة من أعضاء حزب الحرية والعدالة فى البرلمان وهى تعلم جيدا أنها سياسيا لا تستطيع سحب الثقة من الحكومة لكنها تستطيع الإساءة لسمعتها أمام الرأى العام من خلال حملات يقوم بها نواب الحزب فى البرلمان، وهى بذلك تغامر بانهيار الحكومة رغم عدم امتلاكها يقين تشكيلها للحكومة البديلة فى هذه الأوقات الحرجة.
الجماعة تدفع بالحزب لدخول معارك لا يمكن توصيفها سوى بالتوظيف السياسى للأحداث من أجل تحقيق شعبية سريعة تمنح التيار الثقة الجماهيرية، لكنها تخسر كل هذه المعارك الوهمية لتتراجع شعبيتها فتضطر لخوض مناورة سحب الثقة من الحكومة وهى فى أشد الاحتياج لهدنة تعيد فيها ترتيب الأوراق التى تبعثرت بعد مواجهات مجزرة بورسعيد التى انتكست برلمانيا، ومحاولات إبعاد النائب العام والتى انتهت باعتذار البرلمان عن تدخله فى شئون القضاء، وخسارة معركة ما سموه تطهير وزارة الداخلية وسحب الثقة من الوزير وقبولهم حلا وسطا يقوم عليه الوزارة ، ثم انتقاد الرأى العام لفوضى المناقشات داخل البرلمان التى تركز على قضايا تبدو فقهية ودينية أكثر من قضايا الجماهير فى الغذاء والأجور والصحة والأمن والبطالة.
من الصعب الاعتقاد بأن قادة الجماعة لا يدركون خطأ ما يقومون به بديلا عن الحزب، بل من الصعب جدا تصور أن قادة الجماعة بخبرتهم التاريخية العميقة لا يدركون أن ما يقومون به هو اللعب بالنار بعينه وليس غيره، فمن الصعوبة بمكان اعتقاد أن قادة الجماعة تجرفهم الأحداث وتدفعهم المواقف للحديث فى ملفات وإثارة قضايا باتت من صميم الحزب المغلوب على أمره تجاه سطوة الجماعة ونفوذ قادتها.
الجماعة تعلن أنها لن تتقدم بمرشح رئاسى، ثم تعلن أنها تبحث عن مرشح تدعمه يبنى برنامجه على خلفية دينية، ثم تتسرب معلومات عن اجتماع لقادة الجماعة يبحث فى طرح مرشح من داخل الجماعة لانتخابات الرئاسة، ومعلومات أخرى عن اجتماعات مع الفرق السياسية الإسلامية الأخرى، لبحث توحيد الموقف واختيار مرشح واحد من داخلهم لإنجاح المشروع الإسلامى – وهى مسميات ليست من اختراعى وإنما تصريحات قادتهم – وحماية مستقبله من المؤامرات المحيطة به.
الجماعة من قبل أعلنت أنها لن ترشح سوى 30 % من عدد أعضاء البرلمان وظل العدد يتصاعد قليلا ويتزايد قليلا حتى بلغ 40% وفى الحقيقة بلغ أكثر من 60% نجح منهم نحو 45%. والجماعة أيضا أعلنت أنها لا تسعى للاستحواذ على الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، واقترحت 40% من داخل المجلسين والباقى من خارجه، وتركت المناورة فى أيدى السلفيين وانتهت المسألة لمنطق المغالبة داخل البرلمان بدلا من المشاركة، ثم الاستحواذ بالأغلبية من داخل وخارج البرلمان بغرفتيه، بدلا من المشاركة مع الجميع.
والآن تخوض الجماعة معركة الرئاسة بنفس المنطق والأساليب، فهل فقدت القدرة على التفاهم مع كل الأطراف وقررت التعجيل بالمواجهة والتقدم بمرشح رئاسى لاستكمال السيطرة على مثلث الحكم، البرلمان بمجلسى الشعب والشورى، والرئاسة، ومن خلالها رئاسة الحكومة.
لو كان ذلك تفكير الجماعة وهو ليس بعيدا عن مجريات الأمور وتسلسل الأحداث، فإننا نندفع فى منحدر خطر يبدو أنه سيعيد إنتاج تجارب الماضى القريب، خصوصا أن البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى قابل للحل لشبهة عدم الدستورية فى قانون نظام الانتخابات، وهو ما قد يزيد الأمر إرباكا، لذا ليس أمام حزب الحرية والعدالة سوى العودة لتعهدات قطعها قادته على أنفسهم أمام الناخبين والرأى العام برفض منطق الاستحواذ ومنهج الاستبعاد وإقرار سياسة العمل المشترك مع الآخرين لإنقاذ الوطن.. وإلا فإن الجماعة ستتحمل بمفردها مسئولية المزيد والمزيد من الانهيارات المتوقعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة